عنوان الفتوى : أحكام المال الذي يعطيه الولد لأمه
السؤال
قبل طرح السؤال والاستفسار، أريد أن أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الرائع والمفيد، والذي من خلاله علمنا ما لم نكن نعلم. بارك الله فيكم جميعا، مع تمنياتي لكم بالاستمرار والمزيد من التألق.
سؤالي لكم كالتالي: عند موت جدي (والد أبي) ترك منزلا، وترك زوجته -والتي هي جدتي- وثلاثة أولاد (مع احتساب والدي).
بعد مدة تم بيع المنزل بتراضي الجميع، وكل أحد أخذ مستحقاته بتراضي الجميع.
جدتي ذهبت بنقود الإرث إلى الحج، وللأسف بعدها لم تجد من يصرف عليها سوى أبي. فقرر أبي أن يحقق لها دخلا شهريا من خلال منزل مكترى (يعني والدي لديه منزل مكترى، ودخله يذهب مباشرة لجدتي). عاما بعد عام استطاعت جدتي أن تدخر مبلغا من المال (لأن المدخول كان يفوق حاجتها).
جدتي الآن ما زالت على قيد الحياة، وعندما نتكلم عن المال تقول: بعد موتي المال ليس للورثة، بل لوالدي الذي يصرف عليها؛ لأن المال ماله.
سؤالي هو: ما مصير المال بعد وفاة الجدة، هل هو للورثة جميعا، أم لوالدي وحده؟
أرجو منكم التوضيح في حالة أنها صرحت في حياتها بأن المال مال والدي، وأيضا في حالة لم تصرح بشيء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمال الذي يعطيه والدك لأمه، يختلف حكمه بحكم نية والدك: فإن نوى أنه هبة لها؛ فإن المال يصير ملكا لجدتك؛ لأن الهبة إذا تمت ترتب عليها انتقال الموهوب من ملك الواهب إلى ملك الموهوب له.
جاء في الموسوعة الفقهية عن تعريف الهبة: هِيَ شَرْعًا: تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلاَ عِوَضٍ.. اهـ.
فذلك المال صارا ملكا لأمه وخرج عن ملكه، وعليه فإذا ماتت أمه فإن ذلك المال يكون تركةً، ويرثه ورثتها، ويقسمونه بينهم القسمة الشرعية.
وإذا أوصت بأن يكون المال بعد وفاتها له، فهذه وصية لوارث، وليست وصية ملزمة، ولبقية الورثة أن يردوها.
جاء في شرح منتهى الإرادات: وَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَوْ غَيْرُ زَوْجَةٍ -أي إذا كان له ورثة غير الزوج أو الزوجة- بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ نَصًّا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ...
وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ، فَلِحَدِيثِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.
وَتَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ. اهـ.
وانظر الفتوى: 121878، والفتوى: 170967.
وأما إذا كانت نية والدك بإعطاء المال لأمه مجرد انتفاعها به، بحيث تأخذ منه حاجتها، ولم ينو الهبة. فإن ما يبقى عندها لا يزال ملكا لوالدك، ولا يدخل في تركتها عند موتها، ولا يقسم بين الورثة القسمة الشرعية.
والله أعلم.