عنوان الفتوى : حكم من خنقت بنتها
السؤال
امرأة قبل 29 سنة تعرضت لضغوط نفسية، فقتلت ابنتها المعاقة بالخنق. فكيف تتوب؟ هل يجب القصاص؟ أم يلزمها دية؟ أم تكتفي بالعفو؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قاتل النفس بغير حق عليه في الدنيا حقان: حق لله عز وجل، ويخرج منه بالندم، والعزم على عدم العودة؛ وحق لأولياء الدم، ويخرج منه بتمكينهم من استيفاء حقهم -قصاصا كان أو دية-، أو عفوهم عنه.
قال ابن تيمية: قاتل النفس بغير حق عليه حقان:
حق لله: بكونه تعدى حدود الله، وانتهك حرماته. فهذا الذنب يغفره الله بالتوبة الصحيحة؛ كما قال تعالى: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} أي لمن تاب. وقال: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما} {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم {أن رجلا قتل تسعة وتسعين رجلا ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه فسأله: هل من توبة؟ فقال: أبعد تسعة وتسعين تكون لك توبة، فقتله فكمل به مائة، ثم مكث ما شاء الله ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه فسأله هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة ولكن ائت قرية كذا فإن فيها قوما صالحين فاعبد الله معهم، فأدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؛ فبعث الله ملكا يحكم بينهم فأمر أن يقاس فإلى أي القريتين كان أقرب ألحق به؛ فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة فغفر الله له}. والحق الثاني: حق الآدميين. فعلى القاتل أن يعطي أولياء المقتول حقهم فيمكنهم من القصاص؛ أو يصالحهم بمال أو يطلب منهم العفو، فإذا فعل ذلك فقد أدى ما عليه من حقهم وذلك من تمام التوبة.
وهل يبقى للمقتول عليه حق يطالبه به يوم القيامة؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد وغيره؛ ومن قال يبقى له؛ فإنه يستكثر القاتل من الحسنات حتى يعطي المقتول من حسناته بقدر حقه، ويبقى له ما يبقى، فإذا استكثر القاتل التائب من الحسنات رجيت له رحمة الله؛ وأنجاه من النار، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الفاسقون. اهـ. من مجموع الفتاوى.
فيجب على تلك المرأة الندم على الجريمة الشنيعة التي اقترفتها مع العزم على عدم العودة إلى مثلها، مع التحلل من أولياء الدم بإعطائهم الدية، أو عفوهم عنها، ولا قصاص عليها، لأن الوالدة لا تقتل بولدها عند جماهير العلماء.
جاء في المغني لابن قدامة: الأب لا يقتل بولده، وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وبه قال ربيعة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال ابن نافع، وابن عبد الحكم، وابن المنذر: يقتل به؛ لظاهر آي الكتاب، والأخبار الموجبة للقصاص. وقال مالك: إن قتله حذفا بالسيف ونحوه، لم يقتل به، وإن ذبحه، أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه، أقيد به. ولنا، ما روى عمر بن الخطاب، وابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقتل والد بولده» . أخرج النسائي حديث عمر، ورواهما ابن ماجه، وذكرهما ابن عبد البر، وقال: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم، يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أنت ومالك لأبيك» . وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية، بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص؛ لأنه يدرأ بالشبهات، ولأنه سبب إيجاده، فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه. وما ذكرناه يخص العمومات، ويفارق الأب سائر الناس، فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف، وجب عليهم القصاص، والأب بخلافه. (والأم في ذلك كالأب) هذا الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب. لأنها أحد الوالدين، فأشبهت الأب، ولأنها أولى بالبر، فكانت أولى بنفي القصاص عنها، والولاية غير معتبرة؛ بدليل انتفاء القصاص عن الأب بقتل الكبير الذي لا ولاية عليه، وعن الجد، ولا ولاية له. اهـ. باختصار.
مع التنبيه إلى أن الإمام أبا حنيفة يرى أن القتل بالخنق لا يوجب القصاص أصلا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية إلى أن القتل بالخنق قتل عمد يوجب القود، فيقتل به الجاني قصاصا. وقال أبو حنيفة: لا قصاص في القتل بالخنق لأنه ليس عمدا، بل شبه عمد. اهـ. باختصار.
والله أعلم.