عنوان الفتوى : حكم القتل بسبب الغيرة على الزوجة أو المحبوبة
ما حكم القتل بسبب الغيرة على الزوجة، أو المحبوبة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقتل النفس بغير حقّ؛ كبيرة من أكبر الكبائر، وجريمة من أعظم الجرائم، فقد قال الله تعالى: مَن قتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة:32}.
وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. [النساء : 93].
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور، -أو قال: وشهادة الزور-.
وفيه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يزال المؤمن في فُسْحة من دينه، ما لم يصب دما حراما.
قال المناوي في فيض القدير: قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك. فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟! .انتهى.
والأصل أنّ المسلم معصوم الدم، لا يحل قتله إلا إذا ارتكب جريمة عقوبتها في الشرع القتل؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة.
وفي الحال التي يباح فيها قتل المسلم حدًّا أو قصاصًا؛ فمرجع ذلك إلى الحاكم، وليس لأفراد الناس.
جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله-: ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان. انتهى.
وقال ابن مفلح -رحمه الله- في الفروع: تَحْرُمُ إقَامَةُ حَدٍّ إلَّا لِإِمَامٍ، أَوْ نَائِبِهِ. انتهى.
وراجع الفتوى: 29819
ولا فرق في هذه الأحكام بين الزوج وغيره؛ إلا إذا رأى الزوج من يزني بزوجته -والعياذ بالله- ففي هذه الحال تفصيل وتفريق بين الحكم الظاهر، والحكم فيما بينه وبين الله تعالى.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلا، وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته. فقال جمهورهم: لا يقبل قوله، بل يلزمه القصاص إلا أن تقوم بذلك بينة، أو يعترف به ورثة القتيل. والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنى، ويكون القتيل محصنًا.
وأما فيما بينه وبين الله -تعالى- فإن كان صادقا؛ فلا شيء عليه. وقال بعض أصحابنا يجب على كل من قتل زانيا محصنا القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله. والصواب الأول. وجاء عن بعض السلف تصديقه في أنه زنى بامرأته وقتله بذلك. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: وقوله في الحديث: «لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه به» دليل على أن من قتل رجلا في داره، وادعى أنه وجده مع امرأته أو حريمه قتل فيه، ولا يقبل قوله، إذ لو قبل قوله لأهدرت الدماء، وكان كل من أراد قتل رجل أدخله داره، وادعى أنه وجده مع امرأته.
ولكن هاهنا مسألتان يجب التفريق بينهما: إحداهما: هل يسعه فيما بينه وبين الله- تعالى- أن يقتله أم لا؟ والثاني: هل يقبل قوله في ظاهر الحكم أم لا؟ وبهذا التفريق يزول الإشكال فيما نقل عن الصحابة -رضي الله عنهم- في ذلك... انتهى.
وراجع الفتوى: 12316
واعلم أنّ الغيرة على الزوجة والمحارم؛ خلق محمود إذا لم يجاوز حدّ الاعتدال. أمّا إذا جاوز حدّ الاعتدال فهو مذموم؛ ففي سنن أبي داود عن جابر بن عتيك، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله. فأما التي يحبها الله -عز وجل- فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها فالغيرة في غير ريبة.
جاء في عون المعبود: نحو أن يغار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرما. انتهى.
وفي حاشية السندي على سنن ابن ماجه: قوله (فالغيرة في الريبة) أي في مظنة الفساد أي إذا ظهرت أمارات الفساد في محل، فالقيام بمقتضى الغيرة محمود. وأما إذا قام بدون ظهور شيء، فالقيام به مذموم؛ لما فيه من اتهام المسلمين بالسوء من غير وجه. انتهى.
وفي غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: والمحمود من الغيرة: صون المرأة عن اختلاطها بالرجال. انتهى.
وأمّا المحبوبة بمعنى: المرأة الأجنبية التي بينها وبينه علاقة حب؛ فالغيرة المحمودة تقتضي قطع تلك العلاقات غير المشروعة، والوقوف عند حدود الله تعالى.
والله أعلم.