عنوان الفتوى : حكم قتل القاتل لنفسه اقتصاصا منها
ما هو حكم من قتل نفسه اقتصاصا منها، وكان مستحقا للقتل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل المرء نفسه من كبائر الذنوب، قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29}.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجَّأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا.
وفيهما -أيضا- عن أبي هريرة، قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفا: «إنه من أهل النار» فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار»، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب. فبينما هم على ذلك، إذ قيل: إنه لم يمت، ولكنَّ به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله»، ثم أمر بلالا فنادى في الناس: «أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
وفيهما عن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده. فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة.
فلا يجوز للقاتل الانتحار وقتل نفسه، فالقصاص حق لأولياء دم المقتول لهم المطالبة به ولهم العفو عنه، وليس حقا للقاتل حتى يستوفيه من نفسه.
وقتل القاتل لنفسه لا تحصل به المصالح التي من أجلها شرع القصاص، من الزجر عن القتل وردع المعتدين، ولا تشفى به صدور أولياء الدم.
بل حتى مهدر الدم كالزاني المحصن، أو قاطع الطريق المتحتم قتله، لا يجوز له قتل نفسه، ويعتبر منتحرا، ولا يكون قتله لنفسه كفارة لجرمه.
قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: والظاهر أنه يدخل فيه -: أي الانتحار- وفيما يترتب عليه من الوعيد قتل المهدر لنفسه: كالزاني المحصن، وقاطع الطريق المتحتم قتله؛ لأن الإنسان وإن أهدر دمه لا يباح له هو إراقته، بل لو أراقه لا يكون كفارة له، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم بالكفارة على من عوقب بذنبه، وأما من عاقب نفسه فهو ليس في معنى من عوقب. اهـ.
وانظر للفائدة، الفتوى: 175043.
والله أعلم.