عنوان الفتوى : خطأ تعميم ذم الأعراب
دائماً ما يتم ذكر الاعراب، بصفات نفاق، أو حتى كفر، واليوم من هم، من نسبهم، وأبناءهم مسلمين، وعلى دين محمد عليه الصلاة والسلام، ومنهم من هو ملتزم بدينه، ومنهم من هو دارس لشريعته، ويتم التشهير بهم بصفات قلة ذكاء، مع أن الكثير من الروايات يأتي فيها نباهة، وفصاحة الأعراب، أو التركيز على مواقف أشخاص، منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كان فيها غلظة، أو إساءة لرسولنا الكريم، ويتم جمع الأعراب كلهم تحت هذه المواقف، وقد وصل الحال إلى أن خطباء المساجد، يذمون من هو من نسب الاعراب، ويكادون يزكون غيرهم، من بني آدم عليهم، وكأنهم من غير دين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأعراب هم أهل البادية وسكانها، وهم بخلاف سكان الحضر والقرى، والأعراب كغيرهم فيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر، ومن ثم فتعميم ذمهم، أو إطلاق الحكم بأنهم جميعا كفار، أو منافقون غلط ظاهر، كما أنهم وإن كان فيهم الجفاء وغلظة الطبع، وقصور العقل فليس ذلك، عاماً فيهم، بل إن فيهم الأذكياء والنبهاء والفصحاء كما هو معلوم من أخبارهم، وقد ذم الله الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً أي من غيرهم من سكان الحضر، ولا يقتضي هذا أنهم كلهم كذلك، وإنما كانوا كذلك لبعدهم عن معقل الوحي ومحل العلم.
قال القاسمي في تفسير قوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. الْأَعْرابُ وهم أهل البدو أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً أي من أن أهل الحضر، لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء، ومعرفة الكتاب والسنة وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي وأحق بجهل حدود الدين، وما أنزل الله من الشرائع والأحكام، وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر، حَكِيمٌ أي فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم، مخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه. قال ابن كثير: ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي، لم يبعث الله منهم رسولا، وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف: 109] . ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فردّ عليه أضعافها حتى رضي قال: لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي، لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن: مكة والطائف والمدينة واليمن، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب، لما في طباع الأعراب من الجفاء. انتهى، ولكن الله تعالى كما وصف الأعراب بهذا فقد بين أن منهم طائفة على الجادة قد استقاموا على الشرع الحنيف وطبقوا تعاليم الدين، قال تعالى: ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم. قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَمْدُوحُ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قُرْبَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَبْتَغُونَ بِذَلِكَ دُعَاءَ الرَّسُولِ لَهُمْ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ أَيْ أَلَا إِنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ، سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. انتهى.
والحاصل أن التعميم المذكور خطأ من قائله، والميزان الذي يوزن به الناس جميعا بدويهم وحضريهم هو تقوى الله تعالى، فمن كان أكثر تقوى كان أرفع درجة وأقرب إلى الله جل اسمه، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}
والله أعلم.