عنوان الفتوى : الترغيب في العمل والاجتهاد في السعي للكسب الحلال
أنا شاب عمري 19 عاما، لا أحب العمل، وأهلي يجبروني على العمل. أخاف أن أبتعد عن الصلاة بسبب العمل، وحقا أنا أشتغل الآن مع أبي بمصنع خبز في الليل، وهذا أصبح يعيقني عن أداء الصلاة بوقتها، أصبحت أجمع الصلوات، وأؤخرها جميعها، انتقلت من كثير من أماكن العمل، لا أستطيع إيجاد عمل جيد، فهل هناك آيات قرآنية تتحدث عن العمل، والصبر، والصلاة، أو أحاديث تريح القلب، أو أدعية؟
أعينوني، بارك الله بكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالكسل، والبطالة مذمومان شرعا، والسعي للكسب الحلال مطلوب من العبد، قال -تعالى-: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك: 15}.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها، وأرجائها في أنواع المكاسب، والتجارات. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا، فيسأله أعطاه، أو منعه. قال العيني -رحمه الله- في عمدة القاري: وفيه: التحريض على الأكل من عمل يده، والاكتساب من المباحات. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن المقدام -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده.
وفي المعجم الكبير للطبراني عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فرأى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جلده، ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله: لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء، ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان.
ولا شك في كون الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم العبادات بعد الإيمان، لكن المحافظة عليها لا يستلزم الكسل، والبطالة، قال -تعالى-: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الجمعة: 10}.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: إذا فرغتم من الصلاة، فانتشروا في الأرض للتجارة، والتصرف في حوائجكم. انتهى.
ولا يجوز التهاون في الصلاة وتأخيرها عن وقتها بسبب الانشغال بالكسب، أو غيره؛ قال -تعالى-: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {النور: 37}.
فالواجب المحافظة على الصلاة المفروضة في أوقاتها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها لغير عذر، وانظر الفتوى: 192143
فاستعن بالله، ودعك من الكسل، واجتهد في الكسب الحلال، واحرص على إقامة الصلاة، وتعظيم شأنها، واصبر على ذلك، واعلم أنّ الصبر على المحافظة على الصلاة، وإقامتها على الوجه المطلوب من أعظم أسباب الإعانة على أمور الدين، والدنيا، قال -تعالى-: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة: 45}.
قال السعدي -رحمه الله-: فبالصبر، وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء، والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.
ومن الأمور التي تعينك، وتقويك، وتشرح صدرك كثرة ذكر الله، وخاصة الذكر المسنون عند النوم، قال ابن القيم -رحمه الله- في الوابل الصيب: الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، .... وقد علم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته فاطمة، وعلياً -رضي الله عنهما- أن يسبحا كل ليلة، إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته الخادم، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن، والسعي، والخدمة، فعلمها ذلك، وقال: إنه خير لكما من خادم، فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم. انتهى مختصرا.
والله أعلم.