عنوان الفتوى : أحكام من حلف يمينا واحدة أو أيمانا على أجناس مختلفة، وحنث
السادة الحنابلة على أن من حلف أيمانا متعددة على أمور متعددة (والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست) فحنث في بعضها تلزمه كفارة واحدة، وتنحل في الباقي. هل الحكم كذلك في اليمين التي تقتضي التكرار كمن قال: والله كلما مررت عليك لأسلمن عليك. هل تنحل اليمين عند أول حنث أم لا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما قررته في قولك: إن (السادة الحنابلة على أن من حلف أيمانا متعددة على أمور متعددة (والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست) فحنث في بعضها تلزمه كفارة واحدة وتنحل في الباقي) غير دقيق، فإنما تنحل اليمين في مثل هذا إذا كانت يمينا واحدة على أجناس مختلفة، كقول: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا لبست.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة، فقال: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا لبست. فحنث في الجميع، فكفارة واحدة. لا أعلم فيه خلافا؛ لأن اليمين واحدة، والحنث واحد، فإنه بفعل واحد من المحلوف عليه يحنث، وتنحل اليمين. اهـ.
وأما الأيمان على أجناس -كالتي ذكرتها في سؤالك- فإن اليمين لا تنحل بالحنث في واحدة منها.
جاء في المغني لابن قدامة: وإن حلف أيمانا على أجناس، فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست. فحنث في واحدة منها، فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى، لزمته كفارة أخرى. لا نعلم في هذا أيضا خلافا؛ لأن الحنث في الثانية تجب به الكفارة بعد أن كفر عن الأولى، فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر، ثم وطئ مرة أخرى.
وإن حنث في الجميع قبل التكفير، فعليه في كل يمين كفارة. هذا ظاهر كلام الخرقي. ورواه المروذي عن أحمد. وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو بكر: تجزئه كفارة واحدة. ورواها ابن منصور عن أحمد. قال القاضي: وهي الصحيحة. وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه. وهو قول إسحاق؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، بأن يسرق من جماعة، أو يزني بنساء.
ولنا، أنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتكفر إحداهما بكفارة الأخرى، كما لو كفر عن إحداهما قبل الحنث في الأخرى، وكالأيمان المختلفة الكفارة، وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد؛ فإنه متى حنث في إحداهما كان حانثا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدا، كانت الكفارة واحدة، وها هنا تعدد الحنث، فتعددت الكفارات، وفارق الحدود؛ فإنها وجبت للزجر، وتندرئ بالشبهات، بخلاف مسألتنا. اهـ.
وأما عن أداة (كلما) : فإنها تقتضي التكرار، فيتكرر الحنث بتكرر ما علقت اليمين عليها .
جاء في الإنصاف للمرداوي: قوله (وأدوات الشرط ستة: إذ، وإذا، ومتى، ومن، وأي، وكلما) ، أدوات الشرط ست لا غير، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب. قوله (وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا " كلما ") بلا نزاع .اهـ.
فمن حلف قائلا: (والله كلما مررت عليك لأسلمن عليك) فإنه يحنث في كل مرة يترك فيها السلام على ذاك الشخص عند المرور به.
لكن إذا تكرر الحنث قبل التكفير، فتكفيه كفارة واحدة عن الجميع، وأما إذا حنث مرة أخرى بعد التكفير، فتجب عليه كفارة أخرى.
جاء في كشاف القناع: (ومن كرر يمينا موجبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت، والله لا أكلت) فكفارة واحدة لأن سببها واحد والظاهر أنه أراد التأكيد (أو حلف أيمانا كفارتها واحدة؛ كقوله: والله، وعهد الله وميثاقه وكلامه) لأفعلن كذا فكفارة واحدة لأنها يمين واحدة (أو كررها) أي الأيمان (على أفعال مختلفة قبل التكفير؛ كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست) (ف) عليه (كفارة واحدة) لأنها كفارات من جنس فتداخلت كالحدود (ومثله الحلف بنذور مكررة) فتجزئه كفارة واحدة .اهـ.
وانظر للفائدة الفتوى: 78035 .
والله تعالى أعلم.