عنوان الفتوى : المسنون قوله لمن أعجبه شيء من نفسه أو غيره
كنت أريد أن أسأل فضيلتكم عن العين والحسد، حيث إني الآن أصبحت أخاف منهما كثيرا، وأقرأ الأذكار كل دقيقة وكل لحظة، وأخاف أن أصيب نفسي أو غيري بالعين، أو يصيبني غيري بالعين. فهل إذا كنت قد أصبت نفسي بالعين منذ شهور دون التبريك، أو ذكر الله، بأن أكون قد استحسنت شيئا ولم أبرك، أكون قد أصبت نفسي بالعين؟ وهل الإصابة بالعين تحدث في وقتها أم بعد شهور أو سنين؟ وهل حديث النفس يعتبر من العين أو الحسد؟ وهل يحاسب الإنسان على حديث النفس؟ أعلم أن الأمر زاد عن الطبيعي، وأن الأمر أصبح وسوسة، ولكن ما هو العلاج الشرعي لهذه الوسوسة؟ وهل الأذكار تجزئ قراءتها في الصباح والمساء، أم في كل وقت أستشعر به نعمة الله، فإني دائما ما أستشعر بأن علي أن أبرك لنفسي وللناس من حولي في كل دقيقة ولحظة، حتى أصبح الأمر عبئا ثقيلا على النفس لتكراره في كل لحظة. فما المخرج من هذا الحرج شرعا؟ وهل يجزئ أن أقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فقط؟ وما حكم التبريك لنفسي، أو الأذكار أثناء المعصية أو الذنب، مع العلم أني أشعر بثقل هذا؛ لعظمة الله سبحانه وتعالى، وأشعر بعظم هذا، ولكني أقوم به للأسباب السابقة؟ وأنا أعلم أن الأمر أقرب إلى الوسوسة، ولكن بفتواكم الكريمة، ودعواكم المباركة -إن شاء الله- أستطيع التعامل مع هذا بوضوح. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حاجة بنا للتفصيل مع كل جملة ذكرها السائل، فالأمر بالفعل قد خرج عن حده المقبول! وهذا بالفعل من الوسوسة المذمومة التي توقع صاحبها في الضيق والحرج. ومعالجة ذلك تعتمد بعد فضل الله ورحمته، على اجتهاد السائل في مدافعة هذه الأفكار وعدم الاسترسال معها، والإعراض عنها بالكلية. وحسبه أن يواظب على الأذكار الموظفة في أوقاتها، كأذكار الصباح والمساء، ودبر الصلوات، وأذكار النوم. ثم بعد ذلك يكفيه إذا غلبه الخوف على نفسه أو غيره، أن يبرك على ما يعجبه، فيدعو له بالبركة، أو يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. ونحو ذلك من العبارات الخفيفة السهلة التي لا تستغرق وقتا، ولا تكلف جهدا، ثم بعد ذلك يُعرض عن هذه الأفكار بالكلية.
قال ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ {الكهف:39}.
قال: هذا تحضيض وحث على ذلك، أي: هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها، حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: {ما شاء الله، لا قوة إلا بالله}؛ ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله، أو ولده أو ماله، فليقل: {ما شاء الله، لا قوة إلا بالله}. وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا جراح بن مخلد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عيسى بن عون، حدثنا عبد الملك بن زرارة، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد، فيقول: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} فيرى فيه آفة دون الموت". وكان يتأول هذه الآية: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}. اهـ.
وقال العراقي في طرح التثريب: ثَمَّ طريق لدفع الضرر قبل وقوعه بعد الرؤية، وهو التبريك عليه، ففي قصة سهل بن حنيف أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما يمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه من نفسه أو ماله، أن يبرك عليه، فإن العين حق» رواه الطبراني وابن السني وغيرهما. وروى البزار في مسنده وابن السني من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من رأى شيئا فأعجبه، فقال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، لم يضره». وروى ابن السني أيضا عن سعيد بن حكيم -رضي الله عنه- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال: اللهم بارك فيه، ولا تضره». وروى ابن السني أيضا عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم من نفسه وماله وأعجبه ما أعجبه، فليدع بالبركة». وحكى ابن عبد البر في التمهيد عن أهل العلم أن التبريك أن يقول: اللهم بارك فيه، وعن بعضهم أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين. اهـ.
وانظر للفائدة الفتويين: 241492، 245539.
والله أعلم.