عنوان الفتوى : من أعطاه الآخرون أموالهم ليضارب لهم عند غيره فأخذ نسبة من الأرباح دون علمهم
لي صديق يعمل بالتجارة، وأنا أعطيه مبلغًا من المال ليتاجر به، مقابل نسبة من الربح، وقد وفقنا الله، والربح جيدة جدًّا، وعندما عرضت على إخوتي الأمر رحبوا جدًّا، وقمت بإيداع مبالغ تخصهم مع صديقي على أنها أموالي أنا ليتاجر بها، مقابل نفس النسبة من الربح، إلا أني استقطعت لنفسي نسبة أخرى من الربح دون علم إخوتي؛ وذلك لأني محرج منهم، مقابل ضمانتي لهذه الأموال، فهل يجوز ذلك؟ علمًا أن الربح المتبقي لهم بعد استقطاع النسبتين مرضٍ جدًّا لهم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يتعلم أحكام المعاملات التي يتعامل بها قبل أن يدخل فيها، حتى لا يقع في المحرمات، وهو لا يعلم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء:29}، وعليه أن يلتزم بالعقود التي يبرمها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة:1}.
وأما المعاملة التي بينك وبين زميلك، فهي مضاربة بأن تشتركا أنت بالمال وهو بالعمل، وتقتسما الربح على ما اتفقتم عليه في العقد، فإن خسرتم فتخسر من مالك، ويخسر هو عمله، وهي جائزة بالإجماع إذا التزمتم فيها بشروطها، التي سبق تفصيلها في الفتوى رقم: 280756 وغيرها.
وأما ما وقع بينك وبين إخوتك بإدخالك لمالهم لكي يضارب به زميلك، فسؤالك فيه شيء من الإجمال، وعدم الوضوح.
والذي يظهر لنا: أنك لم تتفق معهم على أجر مقابل هذا العمل، ولا أن تكون مضاربًا لهم مقابل نسبة محددة من الربح، بل أعطوك المال، ووكلوك أن تجعل أموالهم مع المال الذي يضارب به زميلك، على نفس النسبة من الربح التي اتفقت معه عليها، فتكون في هذه الحالة وكيلًا متبرعًا، ولم تشترط على ذلك أجرًا، فلا يجوز لك حينئذ أن تغشهم، فتأخذ نسبة من أرباحهم من دون علمهم ورضاهم، وتستطيع أن تطلب منهم أن يعطوك أجرًا معلومًا مقابل العمل الذي تقوم به، فإن رضوا بذلك، وإلا فلست بمجبر على استثمار أموالهم، فتستطيع إرجاعها لهم إذا انتهت هذه المضاربة وأعطيتهم أرباحها.
وننبهك على أنه لا يجوز لك أن تأخذ نسبة من أرباح أموالهم مقابل ضمانها، وننقل نصًّا متعلقًا بهذا من كتاب: "المعايير الشرعية" الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:
(2 / 2 / 1 - لا يجوز اشتراط الكفالة، أو الرهن في عقود الأمانة، مثل عقد الوكالة، أو الإيداع؛ لمنافاتها لمقتضاها، ما لم يكن اشتراطهما مقتصرًا على حالة التعدي، أو التقصير، أو المخالفة للشروط أو القيود، وبخاصة عقود المشاركات والمضاربة، حيث لا يجوز اشتراط الضمان على المضارب، أو وكيل الاستثمار، أو أحد الشركاء، سواء كان الضمان للأصل أم للربح، ولا يجوز تسويق عملياتها على أنه استثمار مضمون.
2/ 2/ 2 - لا يجوز الجمع بين الوكالة والكفالة في عقد واحد لتنافي مقتضاهما، ولأن اشتراط الضمان على الوكيل بالاستثمار يحول العملية إلى قرض بفائدة ربوية بسبب ضمان الأصل مع الحصول على عائد الاستثمار ...
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني مبينًا بطلان شرط ضمان رأس المال في المضاربة: متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافًا. والعقد صحيح، نص عليه أحمد، وهو قول أبي حنيفة، ومالك.
وننصحك -أيها الأخ الكريم- بالتفقه في المعاملات التي تريد الإقدام عليها، وكذلك بالوضوح، والتبيين لمن تتعامل معهم، فإذا أردت أن تستثمر مال إخوتك، أو غيرهم، وإن أردت نفعًا مقابل ذلك، فأخبرهم بالمقابل الذي تريده قبل الدخول في هذه المعاملة، وأن يكون هذا المقابل مبلغًا محددًا أفضل؛ للخروج من خلاف من لا يجيز أن تكون أجرة الوكيل أو السمسار نسبة من الربح، وينظر لمزيد فائدة الفتاوى التالية أرقامها: 105355، 56438، 52134.
والله أعلم.