عنوان الفتوى : هل الصلاة في النعال والجوربين مستحبة أم مباحة؟
هل لبس الجوارب في الصلاة سنة؟ وهل حكم الجوارب كالنعال؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم نجد كلامًا لأهل العلم بخصوص الصلاة في الجوربين من حيث الاستحباب وعدمه، وإنما لهم كلام مستفيض في الصلاة في النعلين، وكذلك لهم كلام في الصلاة في الجوربين، وسننقل لك كلامهم في ذلك، فنقول:
إن العلماء مختلفون في حكم الصلاة في النعال أهي مستحبة أم مباحة، وقد نقل القولين ابن رجب الحنبلي في فتح الباري له، عند شرحه لحديث سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: «نعم». متفق عليه- حيث قال: والصلاة في النعلين جائزة، لا اختلاف بين العلماء في ذلك، وقد قال أحمد: لا بأس أن يصلي في نعليه، إذا كانتا طاهرتين، وليس مراده: إذا تحقق طهارتهما، بل مراده: إذا لم تتحقق نجاستهما .... إلى أن قال: وقد روي الأمر بالصلاة في النعلين، ما خرجه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، من حديث شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا في خفافهم))، وروى عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس، قال: لم يخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة إلا مرة، فخلع القوم نعالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لم خلعتم نعالكم؟)) قالوا: رأيناك خلعت، فخلعنا، قال: ((إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا)). قال البيهقي: تفرد عبد الله بن المثنى، ولا بأس بإسناده. قلت: عبد الله بن المثنى يخرج له البخاري، كما تقدم. وهذا يدل على أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرة الصلاة في نعليه، وكلام أكثر السلف يدل على أن الصلاة في النعلين أفضل من الصلاة حافيًا. وقد أنكر ابن مسعود على أبي موسى خلعه نعليه عند إرادة الصلاة، قال له: أبالوادي المقدس أنت؟! وكان أبو عمرو الشيباني يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم في الصلاة. وأنكر الربيع بن خثيم على من خلع نعليه عند الصلاة، ونسبه إلى أنه أحدث - يريد: أنه ابتدع -. وكان النخعي، وأبو جعفر محمد بن علي إذا قاما إلى الصلاة لبسا نعالهما، وصليا فيها. وأمر غير واحد منهم بالصلاة في النعال، منهم: أبو هريرة، وغيره. وقال الشافعي -ونقلوه عنه-: إن خلع النعلين في الصلاة أفضل؛ لما فيه من مباشرة المصلي بأطراف القدمين إذا سجد عليهما، ووافقهم على ذلك القاضي أبو يعلي، وغيره من أصحابنا. اهـ.
وإن كان ابن رجب قد استدل للاستحباب بأن عادة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرة الصلاة في نعليه، فقد استدل النووي للإباحة بأن الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم هو الصلاة حافيًا، فقد سئل النووي: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالنعلين؟ وهل الصلاة فيهما أفضل أم حافيًا؟ وهل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة، فخلع أصحابه نعالهم، فسألهم عن ذلك وأنكره عليهم؟ ولماذا أنكره؟
فكان الجواب: الحديثان صحيحان، والصلاة حافيًا أفضل؛ لأنه الأكثر من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإِنما صلى بالنعلين في بعض الأوقات؛ بيانًا للجواز، وخَلَعهما حينَ أخبره جبريلُ صلى الله عليه وسلم أن فيهما أذى، وإِنما أنكر عليهم خلعَ نعالهم؛ لأنه يكره للمصلي إحداثُ الفعل في الصلاة من غير حاجة. اهـ.
والقول بالاستحباب هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا الشيخ ابن عثيمين -رحمهم الله تعالى-، قال الشيخ ابن عثيمين: وقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- سلفًا وخلفًا: هل الصلاة فيهما من باب المشروعات، فيكون مستحبًّا، أو من باب الرخص، فيكون مباحًا، والظاهر أن ذلك من باب المشروعات، فيكون مستحبًّا، ودليل ذلك من الأثر، والنظر: أما الأثر: فقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم» (أخرجه أبو داود، وابن حبان في صحيحه)، قال الشوكاني في شرح المنتقى: ولا مطعن في إسناده، ومخالفة اليهود أمر مطلوب شرعًا. وأما النظر: فإن النعال والخفاف زينة الأقدام ... انتهى.
وعلى كل حال؛ فإن الظاهر هو أن الصلاة في الخفين لها حكم الصلاة في النعلين، ففي الحديث: خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا في خفافهم -وقد تقدم ذكره وتخريجه في كلام ابن رجب-، فذكر الصلاة في النعال، والخفاف.
وقد قال النووي في شرح حديث سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: «نعم». متفق عليه: فيه جواز الصلاة في النعال والخفاف، ما لم يتحقق عليها نجاسة. انتهى.
والخلاصة: أن الصلاة في الخفين -ومثلهما الجوربين- جائزة بلا كراهة عند أحد من العلماء فيما نعلم، وإنما الخلاف في الاستحباب من عدمه.
وهنالك قضية أخرى متصلة بهذا المبحث: وهي أن نزع الخفين -وكذا الجوربين- يبطل طهارة من مسح عليهما عند الجمهور، ومن هنا قال ابن رجب: وقد صرح القائلون باستحباب خلع النعلين في الصلاة: أنه إذا كان قد مسح على الخفين، ثم أراد الصلاة، فإنه لو نزعهما لانتقضت طهارته عندهم، كما سبق ذكره في أبواب نقض الوضوء، فلذلك كان الأولى له أن يصلي في خفيه. وليس لنا موضع يكره أن يصلي فيه في النعلين والخفين إلا الكعبة؛ فإنه يكره لمن دخلها أن يلبس خفيه أو نعليه، نص عليه عطاء، ومجاهد، وأحمد، وقال: لا أعلم أحدًا رخص فيه. اهـ.
وكذلك: فإن بعض العلماء يرى أن المسح على الخفين أفضل من غسل الرجلين في الوضوء، وانظر في هذا الفتوى رقم: 143661.
والله أعلم.