عنوان الفتوى : حكم المسح على حمالة الجبيرة، وكيفية قضاء الصلوات إن كان لا يعلم عددها
ركبت جبيرة في يدي، من مفصل الكف إلى قبل الكتف بقليل، وكنت أمسح على الحمالة التي تحمل الجبيرة من الأسفل فقط، ولكني قرأت في هذا الموقع الكريم أن المسح يكون على الجبيرة نفسها، ويتم تعميمها، فما حكم الصلوات التي صليتها؟ مع أني لا أعلم كم عددها بالضبط.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإننا لم يتضح لنا المعنى تمامًا من قولك: إنك كنت تمسح على الحمالة, فإن كنت تعني بالحمالة الخيط، ونحوه مما تعلق عليه اليد المجبورة، ولم تكن تمسح على الجبيرة، ولا شيء منها، فهذا الوضوء لا يصح, وتلزمك إعادة تلك الصلوات التي صليتها بذلك الوضوء.
وإن كانت الحمالة جزءًا من الجبيرة، وكنت تمسح عليها، ولا تمسح على كل الجبيرة، ولم تكن تَعم ما يغطي مكان الفرض من الجبيرة بالمسح, فإن وضوءك لا يصح أيضًا في قول جمهور أهل العلم؛ لأن الواجب في مسح الجبيرة تعميم ما يغطي محل الفرض منها، كما بيناه في الفتوى رقم: 125645.
وذهب بعضهم إلى عدم وجوب التعميم، وأنه يكتفى بمسح أكثرها، أو ما يصدق عليه المسح.
جاء في الموسوعة الفقهية: وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَسْحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ مَسْحَ الأْكْثَرِ كَافٍ؛ لأِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُل، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الأْصْحَابِ: يَجِبُ الاِسْتِيعَابُ؛ لأِنَّهُ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ، فَيَجِبُ مَسْحُ الْجَمِيعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ؛ لأِنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ كَمَسْحِ الْخُفِّ, هَذَا إِذَا كَانَتِ الْجَبِيرَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى قَدْرِ الْجِرَاحَةِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَنْ قَدْرِ الْجِرَاحَةِ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ يَمْسَحُ عَلَى الزَّائِدِ تَبَعًا إِنْ كَانَ غَسْل مَا تَحْتَ الزَّائِدِ يَضُرُّ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ يَمْسَحُ مِنَ الْجَبِيرَةِ عَلَى كُل مَا حَاذَى مَحَل الْحَاجَةِ، وَلاَ يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الزَّائِدِ بَدَلاً عَمَّا تَحْتَهَا. اهــ.
وعلى هذا، فإنك صليت بوضوء مختلف في إجزائه، والأكثر على أنه لا يجزئ، ولا شك أن الأحوط لك أن تعيد تلك الصلاة.
وإذا كنت لا تعلم عدد تلك الصلوات: فمن العلماء من قال: إنك تصلي ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به, ومنهم من قال: إنك تصلي ما تتيقن به براءة ذمتك.
قال الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه: الفقه الإسلامي: خامسًا ـ القضاء إن جهل عدد الفوائت: قال الحنفية: من عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته ... وقال المالكية، والشافعية، والحنابلة: يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته من الفروض ... اهـ.
ويبدو أن للمالكية قولًا يوافق الحنفية في الاكتفاء بغلبة الظن.
فقد جاء في إرشاد السالك عن قضاء الفوائت: وَمَا لاَ يُحْصِيهِنَّ يُصَلِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ بَرَاءَتُهُ ... اهـ.
ولذا قال محمود خطاب السبكي في كتابه: الدين الخالص: فائدة: من فاتته فرائض لا يدرى عددها، يلزمه القضاء حتى يغلب على ظنه براءة ذمته عند الحنفيين، ومالك، وحتى يتيقن براءتها عند الشافعية، والحنبلية. اهـ.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فيمن فاتته صلوات لا يعلم عددها: فالواجب عليه الآن أن يحصي كل ما مر عليه من صلوات، ويعيدها، وإذا كان لا يدري كم عدد الصلوات التي فاتته: فإنه يتحرى، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. اهـ.
وقال أيًضا: وإذا كنت لا تدري كم فاتك: فإنك تتحرى، وتعمل بما يغلب على ظنك من عدد الصلوات التي فاتتك، فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام، أو أربعة، وغلب على ظنك أنها أربعة، فاجعلها أربعة، وإن غلب على ظنك أنها ثلاثة، فاجعلها ثلاثة. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 175229، في الكيفية الصحيحة لقضاء الصلوات الفائتة, والفتوى رقم: 190859، عن الصلوات التي صليت بوضوء غير صحيح جهلًا هل يجب قضاؤها.
والله تعالى أعلم.