عنوان الفتوى : حكم تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبات
نحن 5 إخوة (3 أولاد، وبنتان). أبي أعطى لأخي الأكبر مبلغ ربع مليون جنيه من ورائنا، لزواجه. ولم يعطنا ربع هذا المبلغ حتى في زواجنا. وعلمنا بالموضوع عن طريق الصدفة؛ فطلبنا منه أن يكتب لنا ما يعادل قيمة هذا المبلغ، لحين قدرته على إعطائنا نفس مبلغ أخي، ونقوم برد ما أخذناه في سبيل إعطائنا المبلغ، والتساوي بيننا وبين أخي الأكبر. مع العلم أن أخي الأكبر لا يسأل عنا نحن إخوته، وفي وقت زواج أختنا الصغرى احتجنا لمبلغ 10 آلاف جنيه، وحيث إننا لا نملك أي نقود، حيث لم يعطنا والدنا أي مبالغ نقدية. فطلب والدي من أخي الأكبر مبلغ 10 آلاف جنيه؛ لاستكمال تجهيز أختنا الصغرى. فوافق أخي الأكبر على إعطائه المبلغ، في مقابل أن يأخذ سيارته مقابل هذا المبلغ، وتم أن أخذ السيارة بسعر زهيد، انتهازا لحاجتنا إلى المبلغ في استكمال زواج أختي الصغرى. قام والدي ببيع بيت قديم له، وحين طالبناه بأن يساوى بيننا وبين أخي الكبير كما وعدنا سابقا، ونلغي أي كتابات تمت لنا، ونصبح جميعا متساوين في كل شيء حتى في الميراث، وحتى لا تكون هناك أي عداوة بيننا كإخوة. رفض أبي، بحجة أن فلوس البيت سيتم وضعها في البنك بحجة الإنفاق من فوائدها، برغم تحذيرنا له بأن فوائد البنوك حرام، ولكنه لم يأبه لذلك، وقام باقتطاع جزء كبير من مبلغ البيت لحساب أخي الأصغر، بحجة أنه لم يكمل تعليمه، وأنه ما زال صغيرا (ونحن لم نعترض على هذا، ونتفهم هذا). ولكن مشكلتنا أنه لا يريد المساواة بيننا وبين أخينا الأكبر كما وعدنا سابقا. بل إنه يريد أيضا أن يكتب له مثلنا حتى يصبح أكثر نصيبا منا مرة أخرى. ووصل الأمر بيننا أننا قطعنا المعاملة مع أخينا، نتيجة إحساسنا أنه تم ظلمنا في حقوقنا، ولا نتحدث إليه لا في الأعياد ولا المناسبات. مع العلم أن أخي الأكبر هو أكثر شخص بيننا تم الإنفاق عليه، حيث إنه قضى 14 عاما أثناء دراسته في الكلية، نتيجة تدليلهم له، وتم الصرف عليه ببذخ شديد في دراسته، وفرحه وزواجه. المشكلة الآن أننا 3 إخوة لم نحصل على أي مبالغ نقدية من أبينا، وليست لدينا أية مبالغ حتى نعمل مشروعا يعيننا على مصاريف الدنيا والحياة. أرجو النصيحة لي ولوالدي في حالة من قام بالخطأ، وكان السبب في هذا الحال الذي وصلنا إليه. والدي ووالدتي سيقرآن الرد، وسيتم عرضه على إخوتي كلهم أيضا. ونحن سنرضى بحكم الشرع سواء لنا أم علينا، ولكن أرجو أن يكون الرد -مهما يكن- مدعما بأحاديث نبوية عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، أو آيات قرآنية، أو مواقف حدثت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح عندنا أن التسوية بين الأولاد في العطايا والهبات، واجبة، ففي الصحيحين عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ»، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَارْجِعْهُ». وراجع الفتوى رقم: 6242.
وعليه، فلا يجوز للأب أن يخصّ ولده الكبير بعطية لزواجه دون سائر إخوته.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: ثمَّ هُنَا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَتَعْدِيلُهُ فِيهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُحْتَاجِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ.
وَنَوْعٌ تَشْتَرِكُ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ مِنْ عَطِيَّةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، أَوْ تَزْوِيجٍ، فَهَذَا لَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
وقال البهوتي -رحمه الله-: وعن جعفر بن محمد، سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل له ولد يزوج الكبير وينفق عليه، ويعطيه. قال: ينبغي له أن يعطيهم كلهم مثل ما أعطاه، أو يمنحهم مثل ذلك. كشاف القناع.
فالواجب على الوالد أن يسوي بين جميع أولاده في العطية، والتسوية تكون بإعطاء باقي الأولاد مثل ما أعطى الولد الكبير، أو برد ما أعطى للولد الكبير.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها؛ أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. المغني.
مع التنبيه على أنّ حقّ الوالد على أولاده عظيم، ولا يسقط حقّه عليهم بظلمه بعضهم، فالواجب برّ الوالد والإحسان إليه، والحذر من الإساءة إليه بقول أو فعل.
والله أعلم.