عنوان الفتوى : شبهة حول مسألة القضاء والقدر والرد عليها
كيف يكون فعل العبد باختياره، وهو بالنسبة لي قضاء الله وقدره؟ فمثلا لو اعتدى علي إنسان بإرادته واختياره، وهذا هو قضاء الله و قدره. فلماذا وكيف سيحاسبه الله على ذلك يوم القيامة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الإشكال إنما يصح لو كان معنى الإيمان بالقضاء والقدر: أن العبد مجبر على فعله، ليس له مشيئة ولا اختيار، فهو مع القضاء والقدر كالريشة في مهب الريح!! وهذا هو مذهب الجبرية الباطل، وهو على النقيض من مذهب القدرية، الذين يعتقدون أن العبد خالق لفعل نفسه، ولا يجري عليه قدر سابق!! وكلا المذهبين باطل، والحق هو الوسط بين المذهبين ـ وهو مذهب أهل السنة ـ فنؤمن من جهة بقضاء الله وقدره السابق الذي لا يخرج عنه شيء في الكون، ونؤمن من جهة أخرى بأن الله تعالى خلق للعبد إرادة ومشيئة، بها يكتسب عمله, وعليها يحاسب ويستحق الثواب أو العقاب، بمقتضاها يُحمد أو يًذم، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 195679، ورقم: 35375.
ثم ننبه على أن أحدا من العقلاء لا يقر الاعتداء والظلم إذا وقع عليه، ويعتذر للظالم المعتدي بالقدر!! فإن هذا تفسد به معايش الناس، وتبطل مصالحهم، وقد استقر استنكار ذلك في النفوس، حتى صار هو الحجة على المحتج بالقدر على ذنوبه ومعاصيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه: ليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر أهل الملل وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده. اهـ.
وقال في اقتضاء الصراط المستقيم: ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولا، لم يمكن للناس أن يعيشوا، إذا كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه، ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر ويفسد جميع أموره، محتجا على ذلك بالقدر. اهـ.
وقال في موضع آخر: الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد، وإما أن لا يراه حجة للعبد، فإن كان القدر حجة للعبد فهو حجة لجميع الناس، فإنهم كلهم مشتركون في القدر، وحينئذ يلزمه أن لا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه ويضرب عنقه ويهلك الحرث والنسل، وهؤلاء جميعهم كذابون متناقضون، فإن أحدهم لا يزال يذم هذا ويبغض هذا ويخالف هذا حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه. اهـ.
والله أعلم.