عنوان الفتوى : لا تنافي بين كون المقادير كلها بتقدير الله وأن ما أصاب العبد من الشرور فهو بسبب منه
كثير من الناس -وأنا منهم- عندما يفكر في الإقدام على فعل شيء ما، ويفعله بالفعل، قد يتبين له بعد فترة خطأ هذا القرار، فهل ما فعلته يقع تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قدر الله، وما شاء فعل"، أم تحت قوله تعالى: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا ريب أن الحوادث كلها -ما كان منها خيرًا للعبد، وما كان شرًّا للعبد- بتقدير الله، وخلقه سبحانه، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا تقارب الألف دليل، قال ابن القيم:
أوليس قد قام الدليل بأن أفعـ ... ـال العباد خليقة الرحمن.
من ألف وجه أو قريب الألف يحـ ... صيها الذي يعنى بهذا الشأن.
فمن ذلك قوله سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وقوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {الزمر:62}، وقوله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر، حتى العجز، والكيس. أخرجه مسلم.
وأما قوله سبحانه: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء:79}، فالمراد به: أن النعم تفضل من الله على العبد، وأن المصائب والمكاره هي بسبب من العبد بعصيانه، وشرور نفسه.
وليس المراد بها أن النعم بتقدير من الله، وأن المصائب والشرور ليست بتقدير الله، فإن هذا لم يقل به أحد من أهل السنة، وراجع للمزيد في تفسير الآية الفتوى رقم: 64129.
فالحاصل؛ أنه لا تنافي البتة بين كون المقادير كلها -ما كان منها خيرًا للعبد، وما كان شرًّا للعبد- بتقدير الله جل وعلا، وأن ما أصاب العبد من الشرور، فهو بسبب منه؛ بعصيانه، وخبث نفسه.
والواجب على المسلم أن يؤمن بتقدير الله جل وعلا للمقادير كلها، وأن يحمد الله على النعمة؛ لأنه سبحانه هو المتفضل بها، وأن يتوب ويستغفر إذا أصابته المصيبة؛ لأنها وقعت بسبب ذنوبه، ومعاصيه.
وراجع للفائدة حول أسباب وقوع البلاء والمكروه الفتوى رقم: 327508، وما فيها من إحالة.
والله أعلم.