عنوان الفتوى : من نذر أن يترك العادة السرية شهرين ودعا إن فعلها أن يموت أعز أصدقائه
نذرت لله أن لا أفعل العادة السرية مدة شهرين، وإن فعلتها في الشهرين دعوته أن يميت أعز الأصدقاء لديّ، ووقتها لم أكن كارهًا الدعوة، والآن لم أستطع ترك العادة، فهل يجوز لي الحنث في النذر، وصيام ثلاثة أيّام كفارة؟ وما بال الدعوة؟وأنا الآن كاره لها.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن العادة السرية محرمة يجب تجنبها، والابتعاد عنها أبدًا، فإن ترك الحرام واجب للأبد، ولا يتقيد ذلك بشهرين فقط، بل يجب الاستمرار طيلة الحياة في البعد عنه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:102}، وقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}، وفي الحديث: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه. رواه البخاري، ومسلم.
وقد سبق لنا بيان حرمتها، وبيان أهم الوسائل المعينة على اجتنابها، والتخلص منها في عشرات الفتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7170، 5524، 264172، 132470.
واعلم أن نذر ترك الحرام لا يصح، ولا يلزم منه شيء عند الجمهور، لأن ترك الحرام واجب أصلًا، فهو من باب تحصيل الحاصل، ففي حاشية العدوي على الرسالة: فَلَا مَعْنَى لنذر الواجب، أو ترك الحرام؛ لِأَنَّ فيه تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ، وَانْظُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ عليه، وَاسْتَظْهِر التَّحْرِيمَ. اهـ.
وجاء في الأشباه والنظائر: القاعدة الخامسة والعشرون: ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط؛ ولهذا لا يصح نذر الواجب. اهـ.
وجاء في أسنى المطالب: وأما الطاعة فشرطٌ في انعقاد النذر، لكن لا يصح نذر الواجبات منها، وكذا تركُ، أي: نذرُ تركِ المحرمات؛ لأنها قد لزمت بإلزام الشرع ابتداءً، فلا معنى لالتزامها. اهـ
وذهب بعض أهل العلم إلى لزومه، وأن من لم يف به لزمته كفارة يمين.
وأما دعاؤك على صديقك فهو ظلم وإثم، ونرجو أن لا يستجاب؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم.
وجاء في مسند الإمام الشافعي: أما الأدعية التي يأثم بها الإنسان: كأن يدعو على غيره بالشر، أو تؤدي إلى قطع الرحم، فلا يستجاب. انتهى.
وقال القاري في المرقاة: ما لم يَدْعُ بِإِثْمٍ ـ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ قَدِّرْنِي عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الْخَمْرَ، أَوِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ وَهُوَ مَاتَ كَافِرًا يَقِينًا، أَوِ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُؤْمِنَ فِي النَّارِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ... ومنه الدعاء بلفظ أعجمي جهل معناه، وَمِنْهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْلِمْهُ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا ظَلَمَهُ. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: لو دعا الله بظلم بأن دعا على شخص بغير سبب يبيح له الدعاء عليه، فإن الله لا يستجيب له، لأن الدعاء حينئذٍ ظلم، وقد قال الله تعالى: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {الأنعام:21}. اهــ.
والله أعلم.