عنوان الفتوى : تمثيل الشخصيات العادية
ما حكم دراسة فنِّ التمثيل واحترافه؟
التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت، أو أحداث متخيَّلة في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهو أسلوب للتثقيف والترفيه. وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات. فهناك القراءة والرحلات وغيرها.
وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصور حياتها بالقول والفعل، أي بالكلمة والحركة، فإن كان صادقًا شكلاً وموضوعًا، ويستهدف غرضًا شريفًا أعطى حكم الخبر الصادق، وهو الجواز، وإن كان غير صادق في شكله كيفًا أو كمًّا، أو في موضوعة قولاً أو فعلاً أعطى حكم الخبر الكاذب وهو المنع، ولا يُستباح هذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحًا، فهو ليس من الضرورات التي تُباح من أجلها المحظورات.
وإن كانت الشخصيات اختراعية، كما هو الشأن في القَصص الذي لا يعني شخصًا معينًا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما في كتاب “كليلة ودمنة” فإن كان الهدف صحيحًا، والمادة لا تحوي أمرًا محظورًا، والأداء نفسه يكون ملتزمًا بالآداب الإسلامية، ولم يؤدِّ تعلمُه أو احترافه إلى تقصير في واجب أو ضرر بدَني أو عقلي أو مالي أو خُلُقي أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالاً، يُستعان به على إبراز المعاني بصورة محسوسة، كأنها حقيقة.
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أي واحد منها يجعله ممنوعًا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة.
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخُلُق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلاً، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنُّث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدَّى الاشتغال بالتمْثيل إلى تقصير في واجب ديني أو وطني مثلاً، أو أدَّى إلَى فتنة أو ضرَر لا يُحْتمل، كان ممنوعًا.
ولا يُقال إن القبلات أو شرب الخمر أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس وليس المراد من ذلك حقيقة ما يُعمل، بل هو تمثيل. لا يُقال ذلك؛ لأن الغاية لا تبرِّر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما في الكتب المشحونة بالقصص، وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها.
كما لا يقال: إن هذه الأمور هي من وسائل الإيضاح، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت في أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة و الترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلاً رخيصًا أو هابطًا كما يُشاهد في هذه الأيام.
هذا في تمثيل الشخصيات العادية، أما في تمثيل الرسل والصحابة فقد مر حكمه.