عنوان الفتوى : الهجر المشروع للقريب الفاسق

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

خالتي لا أعلم ما في قلبها، ولكن أفعالها توضح أنها بعيدة بُعْد المشرقين عن الإسلام، فهي لا تصلي، لم أرها تصلي إلا مرات معدودة بأصابع اليدين إن لم تكن اليد الواحدة، فهي عليها صيام شهر رمضان منذ سنة 2000 لم تصمه، وثلاثة أشهر من رمضان، هي ليست مريضة، بل كلها حمل، وولادة، وإرضاع. وتحب النميمة، لا تقول سنة، أو قرآنا، لا تذكر أمامها أمهات المؤمنين، والصحابة والصحابيات، فهي لا تحمد الله قط، دائما هناك مصيبة، فهي دائما تحسد الناس على نعم الله عليهم، وتشكك فيها هل هي حلال أم حرام؟ وتفرح إذا وقع خلاف بين زوجين. فهي لا تحرم ما حرم الله، والواجب إذا لم يناسب هواها فهو حرام، فهي ترى أنه لا حرمة في شرب الخمر لعلاج فقر الدم، ولا مانع من العطور، واللبس الفاضح، وتهمز وتلمز. وطريقة تربيتها لبناتها، والدعاء عليهن بالموت. ومنذ سنوات قليلة رزقت بولد بعد 4 بنات، وهو يقول ألفاظا يقشعر لها الجسد، ولا ترضى أبدا أن يهدده، أو يزجره أحد، هو دائما على هواه حتى وإن تبول على سجادة الصلاة لا تؤنبه، ولا تمنعه في المرة القادمة. وحتى إذا كان هناك شيء ثبت ضرره شرعا، وطبيا لا تتركه؛ لأنها تحبه. لا تتجمل لزوجها، ولكن في زيارتها تفعل ذلك، ليس لديها سيارة؛ لذا تستقل المواصلات، والكثير من الأشياء التي تنافي الشرع. وبصراحة أنا لا أحبها، وبالتأكيد شخص بمثل هذه الصفات سأبذل قصارى جهدي لأبعد أطفالي عنه (حاليا ليس لي أطفال) إذا لم تتب. فهل هذا من قطيعة الرحم المذكورة في الحديث: لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي فَيَسْتَحْسِرُ ـ أي فينقطع عن الدعاء ويتركه ـ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ. وإن كان كذلك كيف أحمي أطفالي منها؟ وكيف أتجنب غضب أمي؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فما دامت خالتك -أصلح الله حالها- بهذا السوء كما ذكرت, فعليك أن تحافظي معها على الحد الذي لا تحصل به القطيعة، ولا ينالك بسببه ضرر مع محاولة إصلاحها، وردها عن غيها، فإن يئست من ذلك، فلا حرج حينئذ في هجرها هجرا جميلا, إذا كان في هجرها ردع لها، أو كان فيه حفظ لك ولأولادك من ضرر مخالطتها.

 قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه؛ فرب هجر جميل، خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وقال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: الهجر الجميل، هو الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة، فلا يقرنها بجفاء آخر، أو أذى. انتهى.
والهجر المشروع لا يدخل في القطيعة المحرمة، والأدلة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: ما ذكره أبو داود بعد أن ذكر أحاديث فيها النهي عن هجر المسلم؛ قال: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أربعينَ يَوْماً، وابنُ عُمَرَ هَجَر ابناً له إِلَى أنْ مَاتَ.
وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف، فنهاه، فقـال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الْخَذْف، وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا، وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه، ثم عُدْتَ تخذف، لا أكَلِّمك أبداً.
قال النووي معلقا على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق، ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام، إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه، ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم، فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده، مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.
وأما تجنب غضب أمك، فيكون ببيان الأمر لها من خلال نقل هذه الفتوى لها، مع التلطف في الخطاب معها، والمبالغة في الإحسان إليها، ودعاء الله لها، فإن ذلك مما يرقق قلبها عليك، ويجنبك غضبها.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 20400، 49470، 199091.
 والله أعلم.