عنوان الفتوى : المسحور بين التكليف والمؤاخذة وعدمهما
أنا رجل مصاب بسحر أو حسد، ويوجد بي مس ـ ولله الحمد والفضل ـ وأعاني من نفور في كل شيءـ في العمل ومراجعات الدوائر الحكومية والعبادة وطاعة الوالدين ومصاحبة الزوجة ـ ويعلم الله أنني أسعى دائما لتقديم ما أستطيع، ولكن هناك صدود يغلق قلبي وحواسي ولا أستطيع أن أتخلص منه، والآن بفضل الله وبكثرة الدعاء والتوسل إليه منذ 6 أشهر أصبحت أصارع نفسي وأصلي في المسجد ومستمر بالصلاة فيه وهذا فضل من الله كبير علي بعد أن كنت أشد نفورا، والآن عندي نفور من تلبية رغبات الوالدين والعصبية والنفور من الزوجة والخمول والكسل الشديد، ويعلم الله أنني في جهاد من أجل تعديل الحال، ولكن العجز الكلي الذي يلحقني يحبطني، وأحاول وأفشل، فبماذا تنصحوني؟ أرجو الدعاء لي، فهل علي إثم في نفوري من طاعة والدي رغم أنني مطيع وأقوم بعملي لهم وهم يرون تضجري وعدم راحتي، هذا بالرغم من أن ذلك يحدث من غير إرادتي وليس باستطاعتي رده أو صده؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك مما بك، وأن يعيذك من السحرة والأشرار من شياطين الإنس والجن، واعلم أن الله بعباده رؤوف رحيم، وخبير بصير، قد جعل العقل والإرادة أساس التكليف، فإذا ما فقدا فقد التكليف، واعتبر الشخص غير مسؤول عن أقواله وأفعاله، فإذا كان المسحور تأثر بالسحر لدرجة فقد العقل، فإنه لا تكليف عليه ولا يلحقه الإثم بما يحصل منه في حال فقد الوعي، لأن الشرع رفع القلم عن المعتوه حتى يعقل، وعفا عن المكره فيما أكره عليه، وأما إن كان مدركا لما يصدر منه: فإنه مؤاخذ به ما دام في اختياره، ففي الحديث: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل.
وفي الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: إذا بلغ به السحر إلى أن لا يعلم ما يقول، لم يقع به الطلاق، لأنه لا قصد له إذن. اهـ.
واعلم أنك إذا حرصت على بر والديك وجاهدت نفسك على ذلك ثم حصل منك بعض التقصير، فإن ذلك مظنة العفو من الله، كما قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا { الإسراء:25}.
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين ـ أي صادقين في نية البر بالوالدين، فإن الله يغفر البادرة، وقوله: فإنه كان للأوابين غفورا ـ وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة.
وأما عن النصيحة: فراجع فيها الفتويين رقم: 2244، ورقم: 5689.
والله أعلم.