عنوان الفتوى : واجب من نذر الكفر أو علقه على فعل أمر معين، ثم فعله
لدي سؤال، وهو: إذا نذر شخص نذرًا بعدم فعل شيء، ولم يحنث -أي: لم يفعل ذلك الشيء- ولكن شك في الصيغة المتلفظ بها، وهو أن يكون اللفظ هو الفعل، وليس عدم الفعل، علمًا بأن النية هي بعدم الفعل. بمعنى آخر: أنه خانه التعبير. وإذا نذر شخص -والعياذ بالله- بكفر إن فعل شيئًا، ثم فعله، ولم يكفر عن نذره، فهل يعني هذا أنه -والعياذ بالله- كفر، وأن عمله وإسلامه مردود حتى يؤدي كفارة نذره؟ وهل العمل لا يقبل إلا بالكفارة؟ وجزاكم الله خيرًا، وأثابكم على حرصكم على إفادة المسلمين، وبارك فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل مصاب بالوسواس؛ لذا ننصحه بالإعراض عنه، وتجاهله بالكلية، وليراجع الفتوى رقم: 51601.
ثم ليعلم أن من شك هل وقع منه النذر أم لا؟ أو شك هل الصيغة التي تلفظ بها مما ينعقد به النذر أم لا؟ فلا يلزمه شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة، وعدم اشتغالها بشيء، ولا يثبت في الذمة شيء إلا بيقين، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 139634.
ولم يتضح لنا المقصود بقوله: " نذر شخص نذرًا بعدم فعل شيء .... " فإن كان المقصود أنه نذر ترك معصية معينة: فقد اختلف في ذلك أهل العلم؛ فذهب بعضهم إلى أن هذا النذر لا ينعقد؛ لأن ترك المعصية واجب بالشرع أصلًا، ونذره تحصيل حاصل، وذهب بعضهم إلى أنه ينعقد، وأن على من خالف نذره في ذلك كفارة ككفارة اليمين.
وأما نذر المعصية: فإنه لا يجوز الإقدام عليه، ولا يجوز الوفاء به اتفاقًا، وجمهور أهل العلم على أن الواجب فيه هو التوبة إلى الله تعالى، والاستغفار منه، وذهب بعضهم إلى أن فيه كفارة يمين. وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 13567.
ثم إن القصد ركن ركين في كل العبادات، وهو الذي عليه المدار فيها، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنما الأعمال بالنيات. وبالتالي؛ فالمعتبر في النذر هو ما قصد الشخص عند نذره، لا ما سبق إليه لسانه من غير قصد.
أما قول السائل: "وإذا نذر شخص -والعياذ بالله- بكفر إن فعل شيئًا، ثم فعله .. الخ" فالجواب -أولًا-: أن هذا ليس نذرًا؛ لأن نذر المعصية لا ينعقد، ولا يجوز الوفاء به -كما تقدم-، وفي هذه العبارة الواردة خلاف بشأن وجوب كفارة اليمين من عدم وجوبه، سواء جاءت بصيغة النذر أو التعليق؛ قال ابن حجر في الفتح: قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر بالله -ونحو ذلك- إن فعلت. ثم فعل، فقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه، ولا يكون كافرًا، إلا إن أضمر ذلك بقلبه. وقال الأوزاعي، والثوري، والحنفية، وأحمد، وإسحاق: هو يمين، وعليه الكفارة. قال ابن المنذر: والأول أصح؛ لقوله: من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله. ولم يذكر كفارة، زاد غيره: ولذا قال: من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال. فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. انتهى.
ومما تقدم يعلم أن من نذر الكفر أو علقه على فعل أمر معين، ثم فعله، لا يعد بذلك كافرًا، إلا إذا أضمر الكفر في قلبه أو قصده بذلك الفعل -والعياذ بالله-. وانظر الفتوى رقم: 165335.
وأما بخصوص من عليه كفارة لم يؤدها: فإنها دَين في ذمته حتى يؤديها، لكن قبول العمل لا يتوقف على ذلك.
والله أعلم.