عنوان الفتوى : بعض ما أعد الله لعباده الصالحين في الجنة
هل توجد في الحياة الآخرة أنهار وجبال وكواكب ونجوم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان بالجنة واجب، وهو داخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الوارد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف، الذي سأل فيه جبريلُ النبيَ صلى الله عليه وسلم، عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن موعد الساعة، وهو من الأمور الغيبية التي نؤمن بوجودها ولا نتعدى ذلك إلى الخوض في تفاصيلها دون علم نستند إليه أو أثر نعتمد عليه، وقد أخبرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ببعض صفات الجنة، من باب التعريف بها والتشويق إليها، وإن كان ما فيها لا يشترك مع ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم، أما الحقيقة فمغايرة لها مغايرة لا يعلمها إلا الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخراً، بله ما اطلعتم عليه. ثم قرأ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]. رواه البخاري غيره، ومعنى "بله": دع.
ومما أخبرنا به الوحي عن الجنة وما فيها، ما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11].
وفي حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها -يعني من أصل سدرة المنتهى- نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
وقد أخبرنا الوحي كذلك عن صفة تربة الجنة وترابها وبنائها، ففي صحيح مسلم أن ابن صياد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تربة الجنة فقال: هي درمكة بيضاء، مسك خالص. والدرمكة هي: الدقيق الحواري الخالص البياض.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجنة وبنائها، فقال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. وصححه الألباني.
وفي الجنة خيام وقصور، روى أحمد في المسند عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام. ورواه الترمذي عن علي وصححه الألباني.
وقال تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72].
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن. وغير ذلك من النعيم الذي قص الله علينا في القرآن، وبينه النبي عليه الصلاة والسلام.
أما عن الشمس والقمر، فليس لهما وجود في الجنة، قال القرطبي: قال العلماء: ليس في الجنة ليل ونهار، وإنما هم في نور دائم أبداً، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، ذكره أبو الفرج بن الجوزي. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش. انتهى
أما عن الجبال والسهول فلم نجد في ذلك أثراً يمكن الاعتماد عليه في الإثبات أو النفي، إلا عموم قول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].
والله أعلم.