عنوان الفتوى : أقوال العلماء فيمن نذر صياماً ولم يف به لغير عذر
أنا شاب أقارب الثلاثين من العمر تعلمت العادة السرية منذ كنت صغيراً من بعض أصدقاء السوء من حوالي سبعة عشر عاما تقريبا ولم أستطع الإقلاع عنها رغم العهود والأيمان والنذور حتى إنني نذرت أن أصوم يوما عن كل مرة أفعلها وذلك خلال أسبوع من فعلتي، في البداية كنت أفي بنذري ، إلا أن الأيام تراكمت علي بعد أن صرت أترك بعض الأيام بسبب الإرهاق ثم تركت هذا الصوم بالكلية وما عدت أدري عدد الأيام التي علي أن أصومها وفاء لنذري وهل ينفع فيها القضاء بعد أن حددت أو عينت النذر بأن أصوم خلال أسبوع فما الحكم فيما مضى من الأيام وفيما يأتي منها علما بأني أفعل هذه العادة مرة أو مرتين أسبوعيا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أخي السائل أن تتقي الله تعالى وأن تتوب إليه سبحانه توبة نصوحاً من هذه العادة السرية القبيحة المحرمة، والتوبة النصوح تقتضي من العبد أن يقلع عن الذنب وأن يندم عليه وأن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود إليه مرة أخرى، واعلم أن سؤالك عن حكم عدم الوفاء بنذرك فيما يأتي من الأيام ينافي الشرط الثالث الذي هو العزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب، فاصدق الله أخي السائل، واعلم أنك إن صدقته صدقك، وإن تبت إليه تاب عليك، وإذا تقربت إليه تقرب إليك.. كما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرويه عن ربه قال: إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة.
وهناك أمور تعين على التخلص من العادة السرية تجدها مفصلة في الفتوى رقم: 7170.
وأما بالنسبة للصيام الذي نذرته ولم تفِ به لغير عذر.. فاعلم أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على أقوال: فذهب الحنابلة إلى وجوب القضاء مع كفارة يمين، قال المرداوي في الإنصاف: قوله: وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين بلا نزاع، وإن لم يصمه لعذر فعليه القضاء بلا نزاع، وفي الكفارة روايتان.... انتهى.
وذهب المالكية والشافعية إلى وجوب القضاء بلا كفارة يمين، قال في المدونة: قلت أرأيت لو أن رجلاً قال: لله علي أن أصوم كل خميس يأتي، فأفطر خميساً واحداً من غير علة؟ فقال: قال مالك: عليه القضاء. انتهى.
وقال النووي في المجموع: ولو عين في نذره يوماً كأول خميس من الشهر أو خميس هذا الأسبوع تعين على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور -أي جمهور الأصحاب من الشافعية- فلا يصح الصوم قبله، فإن أخره عنه صام قضاء سواء أخره بعذر أم لا؛ لكن إن أخره بغير عذر أثم، وإن أخره بعذر سفر أو مرض لم يأثم. انتهى.
وقال الأحناف بمثل ما قال المالكية والشافعية، إلا أنهم قالوا: إذا نوى بنذره اليمين فعليه كفارة يمين مع القضاء وإلا فلا، قال السرخسي في المبسوط: رجل جعل لله عليه أن يصوم كل خميس يأتي عليه فعليه القضاء وكفارة اليمين إن أراد يميناً. انتهى.
وذهب ابن حزم إلى أنه ليس عليه قضاء ولا كفارة يمين فقال رحمه الله في المحلى: مسألة: ومن أفطر في صوم نذر عامداً أو لعذر فلا قضاء عليه إلا أن يكون نذر أن يقضيه فيلزمه، لأنه إذا لم ينذر القضاء فلا يجوز أن يلزم ما لم ينذره، إذ لم يوجب ذلك نص. انتهى.
وأقرب الأقوال للصواب قول من أوجب القضاء فقط بلا كفارة يمين، إذ ليس هناك نص صحيح ثابت يدل على وجوب الكفارة، وأما وجوب القضاء فلكونه قد ترك صياماً واجباً في وقت معين فلزمه القضاء.
وعلى هذا فعليك أن تتوب إلى الله من تقصيرك في الوفاء بنذرك، ثم عليك أن تجتهد في تحديد عدد الأيام التي أفطرتها، ثم تصومها كلها بغير نقصان.
والله أعلم.