عنوان الفتوى : حكم من قتل شخصا فتبين أنه مسلم
ما حكم من قتل مسلما لا يعرف بأنه مسلم وتبين له ذلك فيما بعد؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أنواع قتل الخطأ: أن يقتل المسلم من يعتقد مشروعية قتله، كالكافر في الحرب، فيظهر بعد ذلك أنه مسلم، قال ابن قدامة في المغني: الضرب الثاني من الخطأ: وهو أن يقتل في أرض الحرب من يظنه كافرا، ويكون مسلما، ولا خلاف في أن هذا خطأ، لا يوجب قصاصا، لأنه لم يقصد قتل مسلم، فأشبه ما لو ظنه صيدا فبان آدميا، وإلا أن هذا لا تجب به دية أيضا، ولا يجب إلا الكفارة، وروي هذا عن ابن عباس، وبه قال عطاء، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والأوزاعي، والثوري، وأبو ثور، وأبو حنيفة، وعن أحمد رواية أخرى: تجب به الدية والكفارة، وهو قول مالك، والشافعي... اهـ.
أما لو قتل المسلم من يظنه كافرا ممن لا يجوز قتله، كأهل الذمة والمستأمنين، فهذا وإن كان في الإثم دون تعمد قتل المسلم، إلا أنه لا يعفي صاحبه من الذنب، ومن المؤاخذة في الدنيا بالعقوبة، حتى إنه يقتل بالذمي عند النخعي والشعبي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، خلافا لجمهور العلماء، وراجع الفتوى رقم: 232762.
وأما القتل في دار الإسلام: فالأصل فيه الاحتياط والتحرز، لأنها تعصم أهلها، فلو قتل من يظنه كافرا في ديار الإسلام فكان مسلما ففي وجوب القصاص خلاف، قال الجويني في نهاية المطلب: إذا قتل في دار الإسلام شخصاً علمه كافراً من قبلُ مباحَ الدم، فتبين أنه كان أسلم، والقاتل يجهل ذلك من حاله ـ فالدية تلزم، وفي وجوب القود قولان، وذلك لأن دار الإسلام دار حقْنٍ، فيجب أن يكون القتل فيه على تثبت بخلاف دار الحرب. اهـ.
وقال النووي في منهاج الطالبين: قتل مسلما ظن كفره بدار الحرب، لا قصاص، وكذا لا دية في الأظهر، أو بدار الإسلام: وجبا ـ يعني القصاص والدية ـ وفي القصاص قول. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: قتل مسلما ظن كفره سواء حرابته وردته وغيرهما، كأن رأى عليه زيهم أو رآه يعظم آلهتهم بدار الإسلام، وليس في صف الحربيين وجبا ـ أي القود والدية ـ على البدل كما يأتي، لأن الظاهر من حال من بدارنا العصمة وإن كان على زيهم، وفي القصاص قول أنه لا يجب إن رآه بزيهم مثلا، لأنه أبطل حرمته بظهوره بزيهم أو بتعظيمه لآلهتهم بل الدية، لأنه كان من حقه في دارنا التثبيت، أما مجرد ظن الكفر فيجب معه القود قطعا. اهـ.
وهنا ننبه على أن الكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام بعهد أو أمان أو موادعة حرم التعرض له في نفسه وماله، وكذلك لو دخل المسلم ديار الحربيين بعهد أو أمان أو موادعة حرم التعرض لشيء من دمائهم وأموالهم بإجماع الفقهاء، وراجع في تفصيل ذلك الفتويين رقم: 20632، ورقم: 187875.
والله أعلم.