عنوان الفتوى : هل العمل في الدفاع المدني من الجهاد في سبيل الله

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أعمل في الدفاع المدني، وأباشر حوادث تكون شنيعة، والنفس عندي تتعب من هذه المناظر، وأضغط على نفسي، وأخرج الجثث، وأي عمل فيه إنقاذ أقوم به، ونتعب في العمل تعبا جسديا كبيرا، ونقوم للحوادث في آخر الليل وفي أول النهار، ويكون عملنا متعلقا بالقدر، وكل هذا نحتسبه عند الله، فهل هذا العمل يعتبر من الجهاد في سبيل الله؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجهاد له معنى عام لا يختص بساحات القتال، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54245.

وقال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع: قال الشيخ: الأمر بالجهاد ـ أعني: الجهاد المأمور به ـ منه ما يكون بالقلب كالعزم عليه، والدعوة إلى الإسلام وشرائعه والحجة أي: إقامتها على المبطل والبيان أي: بيان الحق وإزالة الشبهة والرأي والتدبير فيما فيه نفع المسلمين، والبدن أي: القتال بنفسه فيجب الجهاد بغاية ما يمكنه من هذه الأمور قلت: ومنه هجو الكفار، كما كان حسان ـ رضي الله تعالى عنه ـ يهجو أعداء النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وأما الجهاد في الاصطلاح الخاص فهو: قتال مسلم كافرا غير ذي عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه، إعلاءً لكلمة الله. كما جاء في الموسوعة الفقهية.

وهذا الجهاد الخاص هو ذروة سنام الإسلام، وأفضل نوافله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح ـ وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين النووية: ذروة كل شيء أعلاه.. والجهاد لا يقاومه شيء من الأعمال، كما روى أبو هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده، قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟. اهـ.

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: أما ذروة سنامه ـ وهو أعلى ما فيه وأرفعه ـ فهو الجهاد، وهذا يدل على أنه أفضل الأعمال بعد الفرائض، كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء، وقوله في رواية الإمام أحمد: والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله عز وجل ـ يدل على ذلك صريحا، وفي الصحيحين عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله ـ وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أفضل الأعمال إيمان بالله، ثم جهاد في سبيل الله ـ والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. اهـ.

وقال السيوطي في قوت المغتذي: قوله: ذِرْوَةِ سنَامِهِ الجِهَادُ ـ معناه: لا شيء من معالِم الإسلام أشهر ولا أظهر منه، فهو كذِرْوَةِ السَّنام التي لا شيء في البعير أعلا منه، وعليه يقع بصر النَّاظر من بُعد. اهـ.

وهذا الجهاد بمعناه الخاص لا يدخل فيه عمل الأخ السائل! ولكن ليس معنى ذلك أنه لا فضيلة فيه، بل إن من احتسب في مثل هذا العمل فهو على خير عظيم وعمل من الأعمال الصالحة، وله نصيب من قوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا{المائدة:32}.

قال الجصاص في تفسيرها: وعلى كل أحد أن ينجي غيره إذا خاف عليه التلف مثل أن يرى إنسانا قد قصده غيره بالقتل أو خاف عليه الغرق وهو يمكنه تخليصه. اهـ.
وقد ثبت في السنة من الفضائل ما يدخل في عمومه هذا العمل ونحوه، كقوله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرا .. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه الطبراني، وحسنه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه الشيخان.

وقوله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.

والله أعلم.