عنوان الفتوى : التصرف الشرعي لمن لم يستطع رد المال إلى صاحبه
كنت مندوبة لدى شركة تجميل قبل حوالي 9 سنوات، وكان لهم مبلغ مالي حين أنهيت تعاملي معهم، حيث لم يدفع الزبون ذلك المبلغ، ولم أكن أملك المال وقتها، وكان يحدثني مندوبهم عبر الهاتف ويرسل السائق، ولكنني لم أستطع إعطاءهم في ذلك الوقت، وقد أخبرني المندوب أن هذا يؤثر عليه وسيخصم منه، وتسويفا في الأمر لم أبادر بدفع المبلغ حين توفر، ولم أقم بالسعي لجمعه، فقد كنت صغيرة السن، ولم أشعر بعظم ذلك الأمر إلا من قريب ـ غفر الله لي ـ راسلت الشركة الأصلية فكان ردهم ـ للأسف الشديد ـ أن هذه الفترة بعيدة جدا، ولا توجد لدينا أي معلومات عنها، ومن كان يعمل في هذا القطاع، ونحن نأسف لعدم قدرتنا على مساعدتكم، وحين سألتهم أليس المال للشركة لأرجعه لهم لم يتم الرد على إيميلي، فعاودت سؤالهم عن: ما معنى أن يكون لكم وكيل في السعودية؟ وهل معناه أن المشتريات والأموال تكون لهم؟ وماهي طريقة تعاملكم معها؟ فكانت إجابتهم: إن وكيلنا موجود حاليا في الدمام والخبر، وهو وكيل حصري لكل السعودية، وأي مشتريات أو تعاملات تجارية يجب أن تتم عن طريقه، لذلك، أتمنى منكم الاتصال بشركتهم مباشرة والتمتع بخدماتهم كاملة، وسوف نزودكم بأي منتجات تحتاجونها، فيجب علي تتبع الوكلاء فقد يكون لديهم علم بالوكيل آنذاك، ولكن الشركة الأساسية والتي يكون الوكلاء من خلالها لم تستطع إفادتي، فماذا أفعل؟ ولمن أدفع المبلغ؟ وهل أتصدق بالنية عن المندوب والسائق زيادة عن ذلك المبلغ، فقد يكونان قد تضررا من هذا الأمر؟ وكيف أؤدي الحقوق التي للناس إن لم أجد أصحابها؟ غفر الله لي وسترني بستره. وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من شروط التوبة مما فيه حقوق للعباد رد تلك الحقوق إليهم، فإن تعذر معرفة أصحاب الحقوق فيتصدق بها عنهم. جاء في المجموع للنووي: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. اهـ.
وقال ابن تيمية: المال إذا تعذر معرفة مالكه صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوار أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم أو يصرفها في مصالح المسلمين. اهـ.
وقال ابن القيم: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا، ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه، ولا استوفى عوضه رده عليه، فإن تعذر رده عليه، قضى به دينا يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك، رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك، تصدق به عنه، فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة، كان له، وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض، استوفى منه نظير ماله، وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم. اهـ.
وأما هل يجب عليك تتبع الوكلاء أم لا: فإذا غلب على ظنك إمكان معرفة صاحب الحق عن طريقها وجب عليك ذلك، وإلا لم يجب، وحيث غلب على ظنك تعذر معرفة صاحب الحق بالتعيين، فإنك تتصدقين بالمبلغ عنه على الفقراء أو في مصالح المسلمين العامة كالمساجد ونحوها، وتبرأ ذمتك بذلك، ولا يجب عليك الصدقة بشيء زاد عن المبلغ الذي في ذمتك.
والله أعلم.