من الفوائد الحديثية: عندما صرخ الشيطان فزعا بعد بيعة العقبة الثانية
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
من الفوائد الحديثية: عندما صرخ الشيطان فزعا بعد بيعة العقبة الثانية
قُرئ علينا ونحن نستمع، من مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله، وبالإسناد المتصل لشيخنا أبي العربي زغلول حفظه الله، من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال: ((خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتسلل تسلل القَطَا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشِّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا، وامرأتان من نسائنا، فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا، ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب وهو يومئذٍ على دين قومه - قبل إسلامه رضي الله عنه - إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، وكان أول متكلم، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا صلى الله عليه وسلم منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عِزٍّ من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مُسْلِمُوه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدَعُوه؛ فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده.
قال كعب رضي الله عنه فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخُذْ لنفسك ولربك ما أحببت، قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، قال: فأخذ البراء بن معرور رضي الله عنه، (وهو أول من بايع، وأول من استقبل القبلة، وأول من أوصى بثلث ماله)، فأخذ بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبيًّا لنمنعنَّك مما نمنع منه أزُرَنا - نساءنا وأهلنا - فبايِعْنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن – والله - أبناء الحروب، ورثناها كابرًا عن كابر...
قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه، وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة.
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها يعني اليهود، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع لقومك وتَدَعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم - أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم - أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا، ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الانصراف إلى رحالهم، فقال رجل منهم: والذي بعثك بالحق، لئن شئت لنميلن عن أهل مِنًى غدًا بأسيافنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نُؤمَر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم، فرجعوا إلى رحالهم)).
• كانت البيعة الأولى في العام الثاني عشر من البعثة النبوية؛ حيث جاءت وفود من قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة سُميت ببيعة (العقبة الأولى)، وأرسل معهم النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلمهم القرآن الكريم والإسلام، وكانوا اثني عشر رجلًا؛ أسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وعوف بن الحارث، ومعاذ بن الحارث، وذكوان بن عبدالقيس، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة، والعباس بن عبادة، ومن الأوس أبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة، رضي الله عنهم أجمعين.
• وكانت البيعة الثانية، عندما بدأ الإسلام ينتشر في المدينة، وفي العام الثالث عشر وفي الوقت الذي اطمأن المسلمون المهاجرون بين إخوانهم الأنصار في المدينة المنورة، وبقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يلاقي عنت قريش وأذاها، قدم وفد من الأنصار في موسم الحج فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وتلكم هي بيعة (العقبة الثانية)، التي تُعرَف في السيرة النبوية ببيعة العقبة الكبرى.
وكانوا ثلاثة وسبعون رجلًا، وامرأتين؛ أم عمارة نسيبة بنت كعب المازني، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي، رضي الله عنهن.
أما النقباء الاثنا عشر الذين كانوا ببيعة العقبة الثانية هم: نقباء الخزرج: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبدالله بن رواحة، ورافع بن مالك، والبراء بن معرور بن صَخر، وعبدالله بن عمرو بن حرام، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو.
ونقباء الأوس: أُسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة بن الحارث، ورفاعة بن عبدالمنذر بن زبير، رضي الله عنهم أجمعين.
• وكما روى أحمد وغيره رحمهم الله: ((صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط: يا أهل الجُباجِب - أي: المنازل - هل لكم في مُذمَّم - أي: محمد - والصُّباة معه، قد أجمعوا على حربكم، فقال القوم: من الصارخ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أزَبُّ العقبة، هذا ابن أَزيب، (ويُقال: ابن أُزيب)، اسمع أي عدو الله، أما والله لأفرُغنَّ لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفعوا إلى رحالكم)).
هذا هو الشيطان، يستنفر قواه ويدعو أتباعه، ويصرخ في كل معاركه لينذر جنوده، وما أكثر أبواقه في كل زمان ومكان! ولن ينتهي صراخه حتى قيام الساعة، ما دام الصراع قائمًا بين الحق والباطل.
لقد سمع الصحابة رضي الله عنهم، وسمع أهل مكة كلهم صوت الشيطان وهو يصرخ محذرًا من إتمام بيعة العقبة الثانية؛ ولكن كما قال جل جلاله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].
الذين آمنوا يقاتلون في طاعة الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفًا؛ أي مكره ومكر من اتبعه ضعيفًا.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم.