عنوان الفتوى : الحكمة من مشروعية استقبال الإمام المأمومين بعد انتهاء الصلاة
ما الحكمة من استقبال الإمام للمأمومين بعد انتهاء الصلاة؟ سمعت أحدهم مرة يقول إنه إذن للمأمومين بأن يخرجوا من المسجد! هل لهذا أصل في الشريعة ؟ الذي أعرفه أنه سنة فقط.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالسنة للإمام أن يستقبل المأمومين بعد فراغه من الصلاة.
قال الصنعاني في السبل: الَّذِي وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ»، قَالَ الْبُخَارِيُّ: "بَابٌ يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ النَّاسَ إذَا سَلَّمَ" وَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ "سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ" وَحَدِيثِ "زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ": «كَانَ إذَا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» وَظَاهِرُهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ. انتهى.
ويكره إطالة استقبال الإمام للقبلة بعد الصلاة.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وقال النخعي: إذا سلم الإمام ثم استقبل القبلة فأحصبوه. وكره ذلك الثوري، وأحمد وغيرهما من العلماء. ولم يرخص في إطالة استقبال الإمام القبلة بعد سلامه للذكر والدعاء إلا بعض المتأخرين ممن لا يعرف السنن والآثار. انتهى.
وذكر العلماء لذلك وجوها من الحكمة.
قال الحافظ في الفتح: قيل الحكمة فِي اسْتِقْبَالِ الْمَأْمُومِينَ، أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَصْدِ التَّعْلِيمِ، وَالْمَوْعِظَةِ. وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ تَعْرِيفُ الدَّاخِلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْقَضَتْ إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ الْإِمَامُ عَلَى حَالِهِ، لَأَوْهَمَ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ مَثَلًا.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْإِمَامَةِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الصَّلَاةُ زَالَ السَّبَبُ، فَاسْتِقْبَالُهُمْ حِينَئِذٍ يَرْفَعُ الْخُيَلَاءَ، وَالتَّرَفُّعَ على الْمَأْمُومين. انتهى.
والسنة للمأموم ألا ينصرف حتى يتحول الإمام عن القبلة، ولكن إذا خالف الإمام السنة، وأطال الجلوس مستقبل القبلة فلينصرف المأموم، ولا حرج عليه.
قال في شرح الإقناع: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْجُلُوسَ بَعْدَ السَّلَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِم.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ لَا يَنْصَرِفَ الْمَأْمُومُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» رَوَاهُ مُسْلِم (إلَّا أَنْ يُطِيلَ) الْإِمَامُ (الْجُلُوسَ) فَيَنْصَرِفُ الْمَأْمُومُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ السُّنَّةِ. انتهى.
والله أعلم.