عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في حكم زوجة المرتد
رجل يسب الذات الإلهية، ثم يتوب، ثم يعود فيسب، وهكذا، فما حكم الشرع فيه؟ وماذا على زوجته أن تفعل في هذه الحالة؟ مع العلم أنها نهته في السابق، ولكنه لم ينته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم سب الله تعالى، وأنه كفر مخرج من الملة، فلتراجع الفتوى رقم: 8927، ففيها ذكرنا الأدلة على ذلك، وحكم توبة الساب.
وأهل العلم الذين صححوا توبة من سب الله تعالى منهم من يشترط عدم تكرر ذلك منه ثلاثًا؛ ذكر ذلك الحنابلة.
فإن كان في بلد هذا الرجل قضاء شرعي - أي محاكم شرعية - فالواجب رفع شأنه إلى الحاكم.
وأما عن حكم بقاء الزوجة؟ فأكثر الفقهاء على أن ردة أحد الزوجين توجب فسخ العقد بغير طلاق، قال العبادي في شرح مختصر القدوري - وهو من الحنفية -: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت البينونة بينهما فرقة بغير طلاق عندهما - يعني أبا حنيفة، وأبا يوسف - وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج، فهي طلاق. انتهى
وقال صاحب درر الحكام - وهو حنفي -: ارتداد أحدهما فسخ عاجل للنكاح غير موقوف على الحكم، وفائدة كونه فسخًا أن عدد الطلاق لا ينتقص به. انتهى
وقال النووي - رحمه الله - وهو من الشافعية في منهاجه: ولو انفسخ - أي النكاح - بردة بعد وطء، فالمسمى -أي: فالواجب هو المهر المسمى. انتهى
فقد سمى - رحمه الله - الفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخًا.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المقنع: وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح، ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر، وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة، أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. انتهى
والشاهد من هذا تسميته للفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخًا: فهذه المذاهب الثلاثة تعتبر الردة فسخًا، لا طلاقًا، وإن اختلفوا بعد ذلك متى تحصل الفرقة؟ هل تحصل بالردة؟ أي: فور حصول الردة، فلا تحل له إن تاب إلا بعقد جديد، وهذا مذهب الحنفية، أو يفرق بين ما إذا حصلت الردة بعد الدخول، فلا تحصل الفرقة إلا إذا انقضت العدة، ولم يتب، مع منع الوطء قبل التوبة، وبين ما إذا حصلت الردة قبل الدخول فتحصل الفرقة حالًا، وهذا التفريق هو مذهب الشافعية، وإحدى الروايتين عند الحنابلة.
وخالف هؤلاء جميعًا علماء المالكية - رحمهم الله - فجعلوا الردة طلقة بائنة توجب الفرقة حال حدوث الردة، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: والردة طلقة بائنة ممن كان من الزوجين، وهو مذهب المدونة، وروى ابن الماجشون عن مالك أنها فسخ بغير طلاق. انتهى
وتظهر ثمرة الخلاف بين مذهب الجمهور، ومذهب المالكية - أي: بين القائلين بالفسخ، والقائلين بالطلاق - أنه إن تكررت الردة، وتكرر تجديد النكاح جاز ذلك، ولو لأكثر من ثلاث مرات على مذهب الجمهور.
وأما على القول بأنه طلاق - وهو مذهب المالكية - فإنها تبين منه بينونة كبرى بعد المرة الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، والذي يترجح لنا ما قاله الإمام مالك - رحمه الله - من أن الردة طلاق بائن؛ لأنها فرقة حصلت بلفظ، فأشبهت الطلاق.
وعليه؛ فعلى هذه المرأة أن تمنع نفسها من هذا الرجل؛ لأنه إما أن يكون قد جدد النكاح ثلاث مرات، ثم ارتد بعد ذلك، فتكون قد بانت منه، فلا تحل له إن تاب إلا بعد أن تنكح غيره.
وإما أنه لم يبلغ ذلك العدد، فإن حدثت منه الردة فقد بانت منه، ولا تحل له إلا بعقد جديد، وحينها نقول لها: هذا لا يصلح زوجًا، فإن الشرع ندب إلى اختيار زوج ذي دين، وأي دين مع من يتجرأ على سب الذات الإلهية مرارًا!.
والله أعلم.