عنوان الفتوى : مسائل تتعلق بمن عجز عن إتيان أهله، وطلب المرأة الطلاق
منذ عامين تقريبًا، قررت أن أعدد، وأخذت موافقة زوجتي -أم أولادي- على ذلك، ووافقت -جزاها الله خيرًا-وبالفعل ذهبت، وخطبت، وتزوجت، ولكن حصلت لي مشكلة مع زوجتي الثانية، وهي أنني أصبت بفتور عن الجماع -لا أدري ما السبب- ولكن كانت زوجتي الثانية غريبة جدًّا؛ حيث حاضت في يوم الزفاف، فتقبلت الأمر بصدر رحب، ولكنها طلبت الطلاق بحجة أن هذا دليل على أننا ليس لنا نصيب في بعض، وكانت تقول: إنها شديدة الحياء، وكانت ترفض أن تخلع ملابسها، وكانت تجهدني بشدة لدرجة أني أكون مستعدًا للجماع، ثم يحصل لي فتور بسبب الإجهاد، وكانت ترفض أن نشغل المصباح، وكانت غير لينة معي، هذا في أول أسبوعين، فقالت أمها: لعله سحر، وذهبنا لراق، وقرأ علينا، فقال: المشكلة عند الأخت، وبعد الأسبوع الأول ذهبت لبيتي الأول، وجامعت زوجتي -والحمد لله- لكني كنت مرهقًا جدًّا، ولكن -الحمد لله- العلاقة الحميمة تمت، ثم ذهبت لراق آخر، وقال: المشكلة عندك، ثم ذهبت لثالث، وقال: أنت معيون، وخلال هذه الفترة كنت أقرأ على ماء وأشرب منه وأغتسل، وغضبت زوجتي الجديدة بعد أسبوعين بحجة تافهة، وهي أني رفضت الذهاب معها في العيد إلى أهلها، ثم ذهبت لبيت أهلها، وقالت: سأجلس فترة ثم نعود لبيتنا، وبالفعل مر أسبوعان، وأخذتها خلالها لبيتنا، وحاولت جماعها، وكدت أن أفعل إلا أنها جعلت تصرخ بشدة، وتضربني في بطني، وتهتز ولم تمكني منها في تلك اللحظة، فغضبت منها، ثم ذهبت إلى بيت أهلها مرة أخرى، وقالت: نرجع بعد العيد، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان، ورجعنا بعد العيد، وكنت متوترًا بشكل كبير جدًّا، بسبب فشل المرات السابقة؛ مما أدى للفشل مرة أخرى، علمًا أني خلال هذه الفترة كنت في بيتي أجامع زوجتي الأولى، وحملت-والحمد لله- في تلك الفترة، وغضبت الزوجة الثانية مرة أخرى، وذهبت إلى بيت أهلها، وقالت: إنها تريد الطلاق؛ لأنها غارت لما علمت أن زوجتي حامل، ثم اتهمتني بالعجز الجنسي، مع أني كنت أنتصب معها، وأكون مستعدًا للغاية، وفي غاية الشوق لها، ثم أفتر بسبب حركاتها، أو بسبب الإجهاد الشديد منها، أو بسبب تهديدها لي أن أكون مستعدًا للجماع، وطلبت الطلاق، فرفضت، وقلت لها: اعقلي، وتعالي نرجع بيتنا، وإن شاء الله ستحل هذه المشكلة، وتمادت هي وأهلها في الرغبة في الانفصال، فقلت لها: نصطلح على الانفصال بحيث تأخذ جزءًا من الصداق، وأسترد جزءًا، وينتهي الأمر، فرفضوا بشدة، وقالوا: إن لهم الحق في المهر كاملًا، بحجة أني عاجز جنسيًا، وفي هذا الوقت ذهبت وقمت بعمل فحص دوبلر -فحص بالأشعة على الجهاز التناسلي- خشية أن يكون فعلًا قد أصابني ضر، ولا أحب أن أظلمها، فقال لي الطبيب: أنت طبيعي 100 %، ولا مانع عندك من الحياة الطبيعية، والممارسة الجنسية، ولكن يبدو أن هناك عوامل نفسية هي السبب في ذلك، ورجعت لهم بتقرير الطبيب، فلم يصدقوه، وأصروا على الانفصال، ثم حكمنا أحد الشيوخ، فقضى لها بنصف المهر، فقلت: نعم؛ إجلالًا لكلام الشيخ، رغم أني لم أرد الطلاق، والحمد لله ليس عندي عجز كما يزعمون، وطلبت منهم إمهالي عدة أشهر لأحضر لهم المال المطلوب، ولكنهم رفضوا وأصروا على أن أبيع الأثاث على أنه مستعمل، فرفضت أن أفعل ذلك، وقلت لهم: أكتب لكم إيصال أمانة، وأطلقها وفقًا للصلح الذي أمر به الشيخ، مع أني لم أكن أرغب مطلقًا في الطلاق، وقلت لهم: أمهلوني، ولكنهم طمعوا في الصداق كاملًا، ونقضوا الصلح واستعجلوا وذهبوا للشقة وأخذوا المنقولات، ثم ذهبوا لقسم الشرطة وحرروا محضر تبديد أثاث ضدي، ولم أكن أعلم بما فعلوا؛ لأني كنت في بيتي الأول، ولم أتصور أنهم قد يفعلون ذلك، وحكمت المحكمة عليّ بالحبس 3 أشهر، فقمت بعمل استئناف، وأحضرت صاحب البيت شاهدًا، وأحضرها القاضي وقال لها: احلفي أنك لم تأخذي الأثاث، فحلفت كذبًا على ذلك، وحكم لي القاضي بالبراءة بناء على شهادة الشهود الذين رأوها وهي تأخذ المنقولات، وأثناء هذه الفترة دعوتها للتحاكم لشرع الله، وأن نذهب معًا لطبيب ليكشف عليّ، ويقف على الحالة الصحية لي، وأن نذهب معًا لشيخ يقضي بيننا، وكل منا حاضر في مجلس القضاء، ولكنهم رفضوا وأصروا على أخذ المال دون تحاكم للشرع، ودون تقاض، ودون أن نعرف من صاحب الحق، ومن الذي عليه الحق، بل قالوا: نحكم العرف، فرفضت بشدة التحاكم لغير شرع الله، وهذا ما رفضوه هم أيضًا بحجة أنا لو جلسنا مع المشايخ في مجلس قضائي فسيظلمونها، وأصروا على المضي في طريق المحاكم الوضعية من أجل أن يجعلوني أطلقها مرغمًا، ولا يكون لي الحق في طلب شيء من الصداق؛ على أن الطلاق صادر مني، وحتى هذه اللحظة لم أكن أرغب في تطليقها أبدًا، ثم لما فشلت قضية تبديد الأثاث، قالوا: سنرفع ضدك دعوى طلاق للضرر، لقناعتهم بعجزي الجنسي، فقلت لهم: على أتم الاستعداد أن أمثل أمام الطبيب الذي ستعينه المحكمة ليكشف عليّ، فخافوا إن رفعوا دعوى خلع، ودعوتهم عشرات المرات خلال هذه الفترة للتحاكم للشرع بدلًا من المحاكم، على أن أعطيهم حقهم إن كان لهم حق زائد عندي، أو يردوا لي مالي؛ لأني لم أرغب في الطلاق، وهذا كان اختيارها هي، واعتمدوا فيما فعلوه على سؤال المشايخ أن زوج ابنتهم بعدما تزوجها اتضح أن عنده عجزًا جنسيًا على حد زعمهم، فيفتيهم المشايخ دون مجلس قضائي، ويريدون أن يلزموني بذلك، واختلعت بعد فترة، وطلقها القاضي في المحكمة الوضعية التي لا تلزمها برد شيء من الصداق، وفعلًا لم ترد لي من الصداق جنيهًا واحدًا، ثم ذهبت هي فتزوجت بعد هذا الخلع، وأنا الآن -والحمد لله- بصحة جيدة جدًّا، وأمارس حياتي الطبيعية -بفضل الله- أحسن ما يكون، وعلاقتي الحميمة بزوجتي الأولى ممتازة للغاية، ولا زالوا يتهموني أني عاجر جنسيًا، وسؤالي: ما حكم من حصل له مثلي في الشرع؟ وهل يعد عاجزًا فعلًا أم إنه يمهل أم ماذا؟ وما حكم زوجتي تلك التي لم تمهلني، وطلبت الطلاق وهي لم تقض في بيتي شهرًا كاملًا، بل أيامًا متقطعة؟ وما حكم الحلف كذبًا أمام القاضي؟ وهل زوجتي لما طلبت الطلاق ولم تمهلني في حكم المختلعة؟ وهل خلع المحكمة يجعلها ليست زوجتي فعلًا أمام الله؛ حيث إن من شروط الخلع فيما أعلم رد الصداق، وهي لم ترد شيئًا لي، وأنا لم أطلقها، ولم ألقها أصلًا منذ يوم خرجت غاضبة آخر مرة إلا في المحكمة؟ وهل زواجها بعدي يعد زواجًا صحيحًا؟ وهل يجوز الاعتماد على فتاوى المشايخ من طرف واحد في مثل هذه القضايا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسنجيب عن الأسئلة التي أوردتها في مجموعة نقاط، فنقول:
النقطة الأولى: في الفقه أحكام ما يمسى بالعنين، وهو العاجز تمامًا عن وطء زوجته، يمكنك مطالعتها في الفتوى رقم: 48190، وقد أوضحنا فيها ما تثبت به العنة.
وإذا كان حالك ما ذكرت من أنه ليس بك بأس في جانب معاشرة زوجتك الأولى، فلا ينطبق عليك وصف العنة، وقد يكون ما يحدث مع الثانية يرجع لأمور نفسية، أو بسبب شيء من السحر، ونحو ذلك.
النقطة الثانية: لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا لمسوغ شرعي، وسبق في الفتوى رقم: 37112 بيان مسوغات طلب الطلاق.
ومن المنكر ما ذكرت من طلبها الطلاق بسبب ما حدث من الحيض في أول ليلة، أو بسبب حمل زوجتك الأولى، ولكن في نهاية الأمر إذا تضررت من عدم الوطء ضررًا بينًا، كان لها الحق في طلب الطلاق.
النقطة الثالثة: الحلف كذبًا محرم، وكبيرة من كبائر الذنوب، ويسمى باليمين الغموس، ويعظم الإثم إذا حلف المرء كذبًا لأخذ حق الغير بغير وجه حق، وانظر الفتوى رقم: 70862.
النقطة الرابعة: الخلع له أركانه التي يتحقق بها، وسبق لنا بيان هذه الأركان في الفتوى رقم: 13702، وأما أن تعتبر المرأة مختلعة بمجرد طلبها الطلاق، فلا.
النقطة الخامسة: إذا طلبت منك زوجتك الخلع، وتلفظت بلفظ الخلع، وكان بغير عوض، فهو من قبيل الكناية، فإن كنت قد نويت به الطلاق، لزم الطلاق؛ لأنه لفظ يفيد حل العصمة، وإن لم تنو به شيئًا، فلا يترتب عليه شيء، وراجع الفتوى رقم: 146619.
وإذا تم بمجرد حكم المحكمة الوضعية من غير تلفظ منك، فلا يترتب عليه شيء بحال؛ لأن حكم المحكمة الوضعية غير معتبر.
النقطة السادسة: بناء على ما ذكرنا في النقطة السابقة، يكون الحكم على ما إذا كان زواجها من آخر صحيحًا أم لا، فالأمر دائر بين أن تكون هذه المرأة لا تزال في عصمتك، فيكون زواجها الثاني باطلًا، أو تكون قد خرجت من عصمتك، فيكون زواجها من آخر صحيحًا إن تزوجها بعد انقضاء العدة؛ وراجع الفتوى رقم: 191523.
النقطة السابعة: لا شك في أن الأولى في مسائل النزاع السماع من طرفي النزاع في حالة الفتوى، ولا حرج في أن يفتي المفتي بالسماع من طرف واحد، معلقًا الحكم على صحة ما ذكر المستفتي.
وإذا أفتى بناء على حيثيات كاذبة، لم يجز للمستفتي العمل بناء على الفتوى، ففتوى المفتي، أو حكم القاضي لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا كما هو مبين في الفتوى رقم: 47165.
والأفضل في مسائل المنازعات مراجعة المحكمة الشرعية؛ لأن القاضي الشرعي أجدر بالنظر في مثل هذه المسائل، ويمكنه طلب البينات، ونحو ذلك، بالإضافة إلى أن حكمه ملزم، والأولى بالمفتي في مثل هذه الأحوال إحالة السائل إلى القضاة.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: المسائل التي فيها خصومة من الحكمة ألا يُفْتِي فيها أحد؛ لأنه قد يُفْتِي بحسب ما سمعه من الخصم، ويكون عند خصمه ما يدفع به الحجة، ولأنه إذا أفتى فربما يأخذ الخصم هذه الفتيا من أجل أن يحتج بها على القاضي إذا جلسوا بين يديه، مع أن المفتي لم يعلم عن دفع هذه الحجة، فأنا أشير على إخواني طلبة العلم بأنه إذا استفتاهم أحد في مسائل فيها خصومة أن يقولوا: هذه أمرها إلى القضاة؛ لئلا يوقعوا الناس في شر، وبلاء. اهـ.
والله أعلم.