عنوان الفتوى : بغض الوالد العاصي لمعصيته لا لشخصه، مع وجوب بره
ما حكم كراهية الأب بسبب أخلاقه السيئة، وغضبه الشديد جدًّا من أتفه الأسباب، وبسبب عدم عمله لسنين، وسبِّه لي ولأمي، وكفره اللفظي عند الغضب أحيانًا؟ فهو دائمًا غاضب، مع أنه يصلي، ويصوم، ولا أستطيع أن أحبه، أو أطيعه في كل شيء، والتفاهم معه مستحيل، مع محاولتي أن أحبه، وأطيعه في أغلب الأمور، مع العلم أن الفرق العمري بيني وبينه أكثر من نصف قرن، فماذا أفعل، فقد تعبت نفسيًا، وأريد أن أذهب لأي مكان بعيدًا عنه؛ لكي أرتاح فقد كرهت حياتي، وعندما أرى بعض أصدقائي وأرى تعاملهم مع أبيهم الذي يكون كأخيهم، أو فارق العمر بينهم معقولًا، وأرى تصرفات الآباء مع أولادهم الشباب أشعر باكتئاب، وقهر يحرق قلبي، فحتى طفولتي كانت سيئة، ولم يتغير عما كان عليه، فأرشدوني.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك برّ والدك، والإحسان إليه، وطاعته في المعروف، وعليك نصح أبيك، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، مع مراعاة أن نصح الوالدين ليس كنصح غيرهم، فلا بد أن يكون برفق، وأدب، ولا يكون فيه إغلاظ، أو إكثار، وانظر الفتوى رقم: 134356.
وأما بغض ما يقع فيه الوالد من المعاصي، والمنكرات: فهذا لا حرج فيه، لكن ننبه إلى أنه ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية، ولا ينافي ذلك، إنكاره للمنكر، وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية، قال ابن القيم، في مشاهد الناس في المعاصي في طريق الهجرتين: أن يقيم معاذير الخلائق، وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس، فهو مع الوالد أولى، واعلم أنّ الوالد المسنّ نعمة من الله على الولد يحسد عليها إذا أحسن إليه، فالسعيد من برّ والديه، ولا سيما حال كبرهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنف من أدرك أبويه، أو أحدهما، فلم يدخل الجنة. قال القرطبي: فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصة برهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك، والشقي من عقهما.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.