عنوان الفتوى : أداء الجزية لا تختص بأهل الكتاب
لماذا فرضت الجزية على أهل الكتاب، ولم تفرض على المشركين؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية، وقد سبق لنا ذكر مذاهبهم، وترجيح أنها ليست خاصة بأهل الكتاب، بل تشمل كل الكفار على الراجح من أقوال العلماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهم وثنيون وليسوا أهل كتاب، وألحق الجمهور بقية الكفار بالمجوس، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 209560، ورقم: 155307.
وهذا اختيار الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث قال في كتاب: هداية الحيارى ـ أكثر الأمم دخلوا في الإسلام طوعا ورغبة واختيارا، لا كرها ولا اضطرارا، فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى أهل الأرض وهم خمسة أصناف قد طبقوا الأرض: يهود، ونصارى، ومجوس، وصابئة، ومشركون ـ وهذه الأصناف هي التي كانت قد استولت على الدنيا من مشارقها إلى مغاربها... وأديان أهل الأرض لا تخرج عن هذه الأديان الخمسة، ودين الحنفاء لا يعرف فيهم البتة.. وهذه الأديان الستة مذكورة في آية الفصل في قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ـ فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استجاب له ولخلفائه بعده أكثر الأديان طوعا واختيارا، ولم يكره أحدا قط على الدين، وإنما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله، وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله ولم يكرهه على الدخول في دينه، امتثالا لأمر ربه سبحانه، حيث يقول: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ـ وهذا نفي في معنى النهي، أي: لا تكرهوا أحدا على الدين.. والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر، وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار، فلا يكرهون على الدخول في الدين، بل إما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية، كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة... اهـ.
وقال في زاد المعاد: لا فرق بين عباد النار وعباد الأصنام، بل أهل الأوثان أقرب حالا من عباد النار، وكان فيهم من التمسك بدين إبراهيم ما لم يكن في عباد النار، بل عباد النار أعداء إبراهيم الخليل، فإذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خلال ثلاث، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ـ ثم أمره أن يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو يقاتلهم ـ وقال المغيرة لعامل كسرى: أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله أو تؤدوا الجزية ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش: هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب، وتؤدي العجم إليكم بها الجزية، قالوا: ما هي؟ قال: لا إله إلا الله. اهـ.
والله أعلم.