عنوان الفتوى : الأصناف الذين تؤخذ الجزية منهم
آية: لا إكراه في الدين. خاصة بأهل الكتاب والمجوس إذا دفعوا الجزية، أما غيرهم من المشركين فيُكرهون على الدين. سؤالي: 1- ماذا لو عرض أحد هؤلاء المشركين أن يتنصر مثلا ويدفع الجزية بدلا من دخول الإسلام. 2- أليس هذا الإكراه ينافي سماحة الاسلام، كما أن إسلام هؤلاء المشركين في الغالب سيكون ظاهريا. 3- أليس هؤلاء اليهود والنصارى والمجوس كفرة أيضا، بل قد يكون كفرهم أشد من غيرهم. فلماذا هذا التفريق. وجزاك الله خيرا، وإني أحبك في الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه، ويدل لذلك قوله تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ {البقرة:256}. فقد جاء النفي في الآية بلا النافية للجنس، وهي تدل على العموم كما هو معلوم عند الأصوليين .
وأخذ الجزية ليس خاصا بأهل الكتاب , بل يشمل كل الكفار على الراجح من أقوال العلماء , فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر , وهم وثنيون وليسوا أهل كتاب، وقد ألحق الجمهور بقية الكفار بالمجوس، وخالفهم الشافعي وبعض أهل العلم، ويدل لرجحان قول الجمهور حديث النسائي : فإذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم أدعهم إلى أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم أبوا أن يتحولوا إلى دار المهاجرين فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء ولا الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فقاتلهم على إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم . اهـ
وقال ابن عبد البر في الاستذكار : وعند مالك وأصحابه أن أهل الكفر كلهم في الجزية سواء كما هم عند الجميع في مقاتلتهم وسبي ذراريهم في الدنيا وفي الخلود في النار، فلا وجه لفرق بين شيء من أحكامهم إلا ما خصته السنة فيسلم لها كما خصت الكتابيين في أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم .
وقال أيضا : واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له، هل تؤخذ منهم الجزية أم لا؟ فقال مالك: تقبل الجزية من جميع الكفار عربا كانوا أو عجما، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد وداود وإليه ذهب عبد الله بن وهب، وقال الأوزاعي ومالك وسعد بن عبد العزيز: إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الترك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بدين الله عز وجل يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، فإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم. قال أبو عبيد: كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها، ولا تقبل من العرب إلا من كتابيهم، وحجة من رأى الجزية القياس على المجوس لأنهم في معناهم في أن لا كتاب لهم ... اهـ
وقال الباجي في المنتقى شرح الموطأ : وأما عبدة الأوثان وغيرهم ممن ليس بأهل كتاب فإنهم يقرون على الجزية هذا ظاهر مذهب مالك وقال عنه القاضي أبو الحسن: يقرون على الجزية إلا قريشا. وقال الشافعي: لا يقرون على الجزية بوجه. وقال أبو حنيفة: لا يقر منهم على الجزية إلا العجم دون العرب وبه قال ابن وهب من أصحابنا، والدليل على ما نقوله ما روى ابن بريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على سرية أو جيش وصاه وقال له إذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث فأيتهن ما أجابوك إليها اقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم , ثم ادعهم إلى أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا إلى دار المهاجرين فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب الإسلام يجري عليهم حكم الله كما يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم , ودليلنا من جهة القياس أن هؤلاء أهل دين يجوز استبقاؤهم بالاسترقاق فجاز استبقاؤهم بالجزية كأهل الكتاب . اهـ
وأما لو أسلم في الظاهر فعلينا قبول ذلك منه، وإن كان لم يأت بالواجب عليه من الاستسلام ظاهرا وباطنا وحسابه على الله وهو يجازيه على سريرته كما قال شيخ الإسلام : فالإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له ظاهرا وباطنا، فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن أسلم بظاهره دون باطنه فهو منافق يقبل ظاهره فإنه لم يؤمر أن يشق عن قلوب الناس . اهـ
والله أعلم .