عنوان الفتوى : هل مشاكلي النفسية والعائلية مس من الجن ؟
أعاني من مشاكل عائلية ، ومنذ فترة وأنا أتعالج نفسياً ، فلا شيء يتغير في حياتي ، حيث يبدو أنني أعاني من السحر والعين ، حيث اكتشفت أن أبي وأمي يثقون بأناس لا يعالجون السحر حسب القرآن والسنة ، وهم على ذلك منذ سنوات عديدة ، وقد كنت أمشي على خطاهم طوال تلك المدة . فهل تنصحوني بالتوقف عن اتباعهم فيما يفعلون لأتمكن من البحث عن طريقة يمكنني فيها تحسين وضعي . ولعلي يمكنني الذهاب للعيش مع عمتي ، حيث عرضت علي ذلك ، فهي تبعد عنا 40 ميلاً . فهل يجوز لي السفر لها مع عدم وجود محرم . هل يشرع لنا الصبر ، أم العمل على تحسين أمورنا في هذه الحالة . وهل المشاكل النفسية هي نفسها مس الجن أم لا . هل ما أعاني منه هو بسبب الشيطان . وكيف يمكنني تشخيص حالتي ؟
الحمد لله
قد يقع بعض الناس أسيرا للأوهام حين يظنون أن أزماتهم العائلية أو المجتمعية أو
المالية أو الصحية إنما وقعت بسبب المس أو السحر ، فتراهم يلجئون لتفسير كل ما يقع
لهم من معوقات في حياتهم بإحالتها إلى هذه الظنون الواهمة ، فذلك أيسر عليهم من
مواجهة الحقيقة بالأخذ بالأسباب ، والاجتهاد في العلاج ، مع الصبر والمصابرة .
وهكذا جبل الإنسان على طلب الأيسر والأسهل .
يجب أن يتذكر جميع المسلمين أن الله عز وجل حين خلق الدنيا لم يتركها عبثا يتسلط
فيها الناس بعضهم على بعض بقوى غيبية ، ونفوذ سحري جني ، ولو كان الشأن كذلك لفسدت
الدنيا واختلت قوانين الحياة ، ولذلك أمرنا عز وجل أن نتبع الأسباب التي ركّب الكون
عليها ، فمن طلب الرزق عليه بالعمل ، ومن طلب الولد عليه بالزواج ، ومن يبحث عن
العلم فعليه بالدرس والحفظ والفهم ، ومن طلب الحياة الأسرية المطمئنة فعليه بالكلمة
الطيبة ، والحوار الهادئ ، والعفو عن الزلات ، واحتمال الأذى ، وخفض الجناح ، ولين
الجانب مع أهل بيته ، وهكذا تكون الأسباب مؤدية إلى نتائجها بإذن الله عز وجل
وتقديره ، ولكن الشيطان يسول للإنسان ترك هذه الأسباب ، ويخيل إليه أنه مسحور أو
محسود ، ليقعد عن الأخذ بها ، وييأس من إصلاح حاله من خلالها ، فيظل يركض في أوهام
السحر وعلاجه ما بين الرقاة الصادقين أو الكاذبين ، وهو في ذلك لا يتقدم خطوة واحدة
إلى الأمام .
ونحن هنا لا ننكر وجود السحر والحسد ، ولكننا ننكر مبالغة الناس في نسبة كل شيء
إليها ، حتى صارت أوهاما غالبة .
بل حتى السحر ، لا يضر الإنسان شيئا إلا بإذن الله ، كما قال تعالى : (وَمَا هُمْ
بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102 ، فقد يتغلب
الإنسان على السحر بتوكله على الله ودعائه والإخلاص له وقراءة القرآن .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" على أنني أنصح هذا وغيره من اتباع الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ؛
فإن كثيراً من الناس إذا أحس بنفسه أدنى مرض قال : هذه عين ، هذا سحر ، وما أشبه
ذلك ، فتتولد هذه الأوهام حتى تكون عقداً في نفسه ، ثم تكون مرضاً حقيقياً . وما
أكثر ما يمرض الإنسان بسبب أوهام تتولد في قلبه حتى تتطور وتكون حقيقة ، فإذا غفل
الإنسان عن الشيء ، وأعرض عنه ، وتلهى عنه ، فإنه يزول بإذن الله " انتهى من "
فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (24/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
فالنصيحة لك :
أولا : أن تعملي على تحسين أحوالك بالوقوف على أسبابها ، والتفكر في الحلول ،
وتحقيق ما يلزم لتجاوز المشاكل ، من عمل ، أو زيارات ، أو تعليم ، أو تفاهم ، أو
توسيط أهل الخير للإصلاح ، أو الانتقال للعيش في مكان آخر ، المهم أن تبدئي طريق
العلاج.
ثانيا : أن تتركي الذهاب لهؤلاء الذين يعالجون السحر بغير الرقية الشرعية ، وقد
يكون هؤلاء سببا في زيادة المشكلة والضيق النفسي الذي تشعرين به .
ولا مانع من استعمال الرقية الشرعية ، بقراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات ، كما
لا مانع أيضا من الذهاب إلى أحد الرقاة الثقات الذين يعالجون بالرقية الشرعية ، دون
أن يصل الأمر إلى حد الأوهام وتعليق كل ضيق على السحر مما يقعدك عن الجد في الأخذ
بالأسباب .
وأما زيارتك لعمتك على بعد أربعين ميلا ، فلا حرج عليك في القيام بها بدون محرم ،
فهي مسافة قصيرة تساوي تقريبا (64 كم)، فلا تعد في عرف الناس اليوم سفرا ، فلا
يشملها النهي عن سفر المرأة بغير محرم .
وقد سبق في موقعنا بيان أن شرط تحريم سفر المرأة بغير محرم أن ينطبق عليه عرفا بين
الناس كونه " سفرا "، حتى لو كان قصيرا أقل من ثمانين كيلومتر ، ولكن لا بد أن يسمى
في عرف الناس سفرا ، ينظر (101520) ،
(110929) ، (127076)
، (174855)
وأخيرا نوصيك بالحرص على الأذكار الشرعية ، التي تسن للمسلم في يومه وليلته ،
والأذكار أدبار الصلوات ، فهي ملجأ المسلم لعلاج ضيق صدره مما أصابه ، وهي حرز له
عن كل ما يسوؤه بإذن الله . ولا تيأسي من دعاء الله تعالى ، وسؤاله بقلب خاشع خاضع
أن يفتح عليك أبواب رحمته ، وأن يكتب لك تجاوز هذه الأزمات ، لتنطلقي إلى العمل
والنجاح والتفوق بإذن الله، وما ذلك بالأمر الصعب ولا المستحيل ، المهم أن تبدئي
الخطوة الأولى ، وتتوكلي على الله سبحانه . يقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/3. ويقول عز وجل : ( وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا . ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ
أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) [الطلاق: 4-5]
والله أعلم .