عنوان الفتوى : مسائل في السلام على الكافر ومصافحته ومحبته وزيارته واللعب معه
اعذروني على سؤالي الطويل، لكني قرأت عدة فتاوى لكم على هذا الموقع حول تعامل المسلم مع الكافر، وقد اختلطت عليّ بعض الأمور؛ لذلك أود أن أستوضح منكم عن الأمور التالية: أ. بدء السلام على الكافر محل خلاف بين العلماء، وإن أردنا الأخذ بمن قال بجواز بدء السلام، فلنقل:"السلام عليك " للفرد، فماذا لو تجنبنا لفظ السلام من أصله، وبدأنا نحن بكلمة: "مرحبًا" أو"أهلين بالشباب" وهل هي تدخل في الخلاف الحاصل بين العلماء؟ ب. المصافحة والتقبيل يدخلان تحت عنوان: "مودة وحب"الكافر، لكن إهداء الكافر الهدايا، وتقبلها منه، بل وعيادته إن كان مريضًا جائزة؛ لما ورد من دليل على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون ذلك منطقيًا، علمًا أن تبادل الهدايا يدل على مودة أكثر بكثير من مجرد مصافحة أو تقبيل الكافر؟ وكيف نزور المريض الكافر؛ لنبين له أخلاق الإسلام، وفي نفس الوقت حينما نلتقي به في المبنى الذي نسكنه نتجنب مصافحته!؟ وماذا لو جاء هو ليصافحني ويقبلني، هل أمنعه؟ خاصة أن مثل هذه الأمور للنصارى في البلاد العربية هي عادة أخذوها منا – المصافحة، والتقبيل - وسيكون غريبًا لو قبلت مسلمًا، وامتنعت عن النصراني؛ لأنه كافر! ج. ذكرتم في الفتوى رقم: "227224: أن اللعب مع الكفار جائز، لكن لنتجنب مودتهم، والركون إليهم، واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين؛ وذلك خوفًا من أن يفتنونا، واستدللتم – مشكورين - بأدلة واضحة من القرآن الكريم، لكني لم أفهم تحديدًا كيف يمكنني أن ألعب مع شخص لا أحبه، ولا أثق به؟ فهل يمكنني مثلًا مصادقة شاب نصراني، وفي نفس الوقت 99% من أصدقائي مسلمين، كما أني أخرج معه في بعض الأوقات؛ لكي أتفسح معه، وما شابه، لكن دون أن أجعل ذلك يؤثر على ديني، فحينما يحين موعد الصلاة مثلًا فإني أُصلي أمامه، بل إن أمكن أتركه، وأذهب إلى المسجد، وهو يتقبل ذلك بصدر رحب، وأنا لا أريد القول أني أُحبه؛ لأن الحب في الإسلام يكون لله، لكني أسعد ببعض الزيارات التي نقوم بها لبعضنا البعض، والتي نتحدث فيها عن كرة القدم مثلًا، أو عن أحوالنا الشخصية، أو أوضاعنا في العمل، فيسود جو من الألفة، بحيث إني أتمنى له الخير، ولا أستطيع أن أضمر له الشر، لكني لست معجبًا بشخصيته، ولا أخشى على نفسي الفتنة منه، وإنما يكون الأمر غالبًا أنه صديق لي، كعشرات، بل مئات الأصدقاء الآخرين، وقد مرت سنوات عديدة على معرفته، وإن التقينا في فترة من الفترات فسيكون هنالك هذا الجو من المودة، فهل هذه هي المودة المقصودة في الآية الكريمة، أم المقصود ما يدخل في الإعجاب والافتتان بالصديق النصراني؛ لدرجة أنه يؤثر على أخلاقي وتصرفاتي؟ خاصة أني ذكرت أن علاقتنا فيها الاحترام، وفيها تمني الخير لبعضنا البعض بسبب الاشتراك في أمور حياتية بيننا، كالعمل، أو اللعب، أو حب زيارة المنطقة الفلانية، أو الذهاب للمطاعم .. وكل هذا لا يؤثر سلبًا على عقيدتي وتصرفاتي - والحمد لله - بل إنه هو من يتشبه بي في بعض الأمور، بينما أنا لا أتشبه به، ولا أحتاج لذلك أصلًا، حتى أنه يطلب مني مرارًا أن نلتقي؛ لكي يشكي لي بعضًا من همومه؛ لثقته فيّ، بل يطلب مني النصيحة في الدراسة، أو في العمل، وأنا أقوم بذلك، لكني لا أطلب منه أن ينصحني، بل ألجأ لأهل العلم فيما لو حدث لي مكروه.د. استثنيتم من حرمة موالاة الكفار، أو مداراتهم، إذا ما كنا في بلادهم؛ خشية أن يلحق المسلم الضرر عندها، فهل تقصدون أيضًا في المواضع التي يتحكم فيها الكفار، مثل: أهل السنة في لبنان، حيث الحكم هناك بيد رئيس نصراني، وغير المسلمين لديهم نفوذ كبير، كالنصارى، والروافض، والدروز، فهل نستطيع أن نُداري هؤلاء؟ خاصة لما قد نتعرض له في بعض المناطق التي أغلب سكانها نصارى من إحراج إذا لم نتعامل، ونصافح، ونصادق بعضهم - كجيراننا في المبنى، والمدرسة، والعمل، ومحلات البيع، و .. - وقد يقول لي أحدهم باستمرار: إنه يحبني، فأردها له، وأقول له: إني أُحبه أيضًا، لكني لا أعني أني أحبه في الله، أو كما أحب أخي في الإسلام، وإنما قلتها له تجنبًا للإحراج، فهل يجوز ذلك؟ ختاما: أعتذر كثيرًا للإطالة، لكن هذه الأمور يسأل عنها الكثيرون غيري، ويريدون الإجابة الشافية؛ ولذلك كان لا بد لي من الخوض في التفاصيل كاملة، وإن شاء الله بإجابتكم سيستفيد منها الكثير الكثير - بارك الله بكم، وبموقعكم -.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب الفقرة: (أ) الفتوى رقم: 154659 وما أحيل عليه فيها.
وأما الفقرة (ب)، فجوابها: أن أهل العلم اختلفوا في حكم مصافحة الكافر، فكرهه أكثرهم، كما سبق بيانه في الفتويين: 36289، 220054.
ومع ذلك فقد تقدم لنا أن الأصل هو جواز مصافحته، ثم يختلف الحكم بعد ذلك بحسب الحال، فمن علم أن هجره يفضي لهدايته ترك المصافحة، ومن علم أن تألفه ومخالطته أقرب لهدايته صافحه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 101603.
وكذلك الهدية: فلا حرج في قبولها من الكافر الذي يراد تأليفه على الإسلام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 12267، وقد سبق لنا النص كذلك على جواز الهبة والهدية للكافر غير المحارب، فراجع الفتويين: 99348، 199607.
وأما الفقرة (ج)، فجوابها: أن اللعب من أعمال الجوارح، شأنها شأن البيع والشراء، ونحو ذلك، وأما المحبة والمودة والركون، فهي: من أعمال القلوب، ولا يخفى أنه لا تعارض في الجمع بين هذا وذاك.
وهنا ننبه على أن المحبة المحرمة للكافر هي المحبة الدينية، أما محبته لغير ذلك، كعلاقة قرابة، أو علاقة زواج، أو معاملة، أو لما يقدمه الكافر من علم، أو نفع للناس ـ فهذه المحبة الطبيعية التي تمليها الجبلية البشرية، والفطرة الإنسانية ـ لا تحرم، إلا أنه يجب أن يصاحبها البغض لهم في الدين، والبراءة من كفرهم، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 128403.
وقد سبق لنا أيضًا بيان الفرق بين الحب في الله، والمحبة الجبلية في الفتوى رقم: 36991.
وإذا تقرر هذا، فمحبة الكافر لملته، أو لصفة دينية فيه، أمر محرم بالإجماع، بخلاف ما إذا اقتصر هذا الحب على مقتضيات الجبلة، والمحبة الطبيعية غير الدينية، كمحبة الوالد ولده مثلًا.
ولا إشكال في أن يجتمع في آن واحد في قلب العبد: بغض ديني، ومحبة جبلية؛ لاختلاف الباعث في كل منهما، قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) في مسألة الولاء والبراء، والتكفير، والتفسيق، وما يتعلق بذلك، قال: وفي هذا فروع مفيدة، الأول: أن هذا كله في الحب الذي هو في القلب، وخالصة لأجل الدين، وذلك للمؤمنين المتقين بالإجماع، وللمسلمين الموحدين إذا كان لأجل إسلامهم، وتوحيدهم عند أهل السنة، كما يأتي، وأما المخالفة، والمنافعة، وبذل المعروف، وكظم الغيظ، وحسن الخلق، وإكرام الضيف، ونحو ذلك، فيستحب بذله لجميع الخلق، إلا ما كان يقتضي مفسدة، كالذلة، فلا يبذل للعدو في حال الحرب. اهـ.
وبهذا يتبين للسائل أن إضمار الشر للكافر غير الحربي ليس مطلوبًا، بل العكس هو المراد، وأعظم إضمار للخير له أن تسلك السبيل المناسب في دعوته للحق، وترغيبه في الإسلام، وراجع للفائدة الفتويين: 183507، 223342.
وأما الفقرة (د): فراجع في جوابها الفتاوى التالي أرقامها: 9896، 14945، 42123.
والله أعلم.