عنوان الفتوى : مسائل في السلام على الكافر والإهداء له وتهنئته بالعيد
أرسلت رسائل ومحورها هل الإسلام دين محبة؟ فجاء التفسير والأدلة القرانية وكانت الاستشهاد بالآيات التالية: الشورى: 40 والبقرة: 194 وفصلت: 35 ـ وغيرها، إلا أنني أجد في الفتاوى أشياء كثيرة تدعو إلى عدم التعاون والتقارب مع غير المسلم حيث تحرم على المسلم التحية على المسيحي ويجوز في حالة واحدة وهي إذا كنت أريد منه شيئا أتقدم له بالتحية، وقبول الهديا فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ الهدية من المسيحي ولا يحق للمسلم أن يقدم الهدية للمسيحي مهما كانت الصلة بينهما مثل زوجته أو أخيها أو أختها ولكن إذا كانت له مصلحة فيجوز تقديم الهدية، والكذب محرم ويسمح به إذا كان الكذب هو الوسيلة الوحيدة لأخذ ما أريده، وتقديم التهنئة للمسيحي في أعياده فهي محرمة، أما قبول التهنئة منه فهو حلال وواجب، وهذه أرقام بعض الفتاوى: 42307، 12267، 116338، 172849، 105164، 118786 103326، ،108457 26883، كنت أحضر احتفالات الأعياد المسيحية في الكنيسة ولم أشاهد ما في الفتويين الأخيرتين من هتك للأعراض واقتراف للفواحش وغيرها، مع أن النساء والرجال يدخلون الكنيسة للتعبد، والنساء عندنا لا يذهبن إلى المساجد لكي يصلين إلى حد قريب، وأما الآن فبعض المساجد توجد بها زاوية مخصصة للنساء، وهذا منذ خمسة أعوام فقط وأجد الفرق الشاسع بين التعاليم المسيحية والإسلامية حيث المسيحي يقدم التهاني والهدايا ويرحب بكل شخص يدخل الكنيسة ويقدم المساعدة لغير المسيحي مهما كان مذهبه ولو كان من غير أهل الكتاب، وأخيرا أقدم لكم كل التحية والاحترام وأرجو منك أن تفهم قصدي من هذا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والفهم الصحيح لأمور الشرع والعمل به، وأما عن المسائل التي ذكرت فالخلط والتقول فيها واضح وظاهر، ومن ذلك الخلط بين السلام كتحية إسلامية وبين غيره من أنواع التحايا التي يحيي بها الناس بعضهم بعضا، فالأول هو الذي احتدم فيه النقاش والخلاف، أما الثاني فلا مانع منه ابتداء وردا والأمر فيه هين، قال أبو بكر الجصاص: لأن السلام من تحية أهل الجنة، فكره أن نبدأ به الكافر، إذ ليس من أهلها، ولا يكره الرد على وجه المكافأة. اهـ.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: لأن السلام اسم لكل بر وخير، ولا يجوز مثل هذا الدعاء للكافر، إلا أنه إذا سلم لا بأس بالرد عليه مجازاة له، ولكن لا يزيد على قوله: وعليك، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليك. اهـ.
وقال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله: هَذَا كُلُّهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَال: السَّامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ شَكَّ فِيمَا قَال، فَلَوْ تَحَقَّقَ السَّامِعُ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَال لَهُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ـ لاَ شَكَّ فِيهِ، فَهَل لَهُ أَنْ يَقُول: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَعَلَيْكَ؟ فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الأْدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ أَنْ يُقَال لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْل، وَاللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْل وَالإْحْسَانِ، وَقَدْ قَال تَعَالَى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ـ فَنَدَبَ إِلَى الْفَضْل، وَأَوْجَبَ الْعَدْل... إلى أن قال رحمه الله: فَإِذَا زَال هَذَا السَّبَبُ وَقَال الْكِتَابِيُّ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَالْعَدْل فِي التَّحِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ نَظِيرُ سَلاَمِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. انتهى.
وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام وكذلك ردنا عليهم، وهو مذهب ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه عند الشافعية.
وأما التقول: فما جاء في سؤالك من المنع من الإهداء للكافر، فالأصل أنه تجوز الهدية إلى الكافر ويجوز قبولها منه إن كانت مباحة, فقد ثبت عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب: رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ـ اسم البائع ـ ما قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركاً. متفق عليه.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه على صحيح مسلم: وفي حديث عمر في هذه الحالة: جواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوباً وغيره. اهـ.
وقال الشوكاني في النيل: قَوْلُهُ: أُهْدِيَتْ إلَى النَّبِيِّ ـ أَهْدَاهَا لَهُ مَلِكُ أَيْلَةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ.
وفي النيل أيضا: وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سَعْدٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِهَدَايَا ضِبَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ... إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قال: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ لِلْقَرِيبِ الْكَافِرِ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا مِنْ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ.
وأما عن تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية: فلا يجوز، لما في ذلك من إقرارهم على دينهم الباطل، فالأعياد الدينية من شعائر الدين. وعليه؛ فلا يجوز للمسلم حضور الاحتفال بها, ولا الإهداء لهم بمناسبتها، قال ابن تيمية: فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.
وقد بينا المزيد على هذا بالتفصيل والدليل في الفتويين رقم: 26883، ورقم: 105164.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: أما قبول الهدية منهم يوم عيدهم، فقد قدمنا عن علي رضي الله عنه: أنه أتي بهدية النيروز، فقبلها، وروى ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه: أن امرأة سألت عائشة، قالت: إن لنا أظآرا من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا؟ قالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم، وقال: حدثنا وكيع، عن الحسن بن حكيم عن أمه، عن أبي برزة: أنه كان له سكان مجوس، فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان، فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه، فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء، لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم. اهـ.
وأما عن الكذب: فالكذب حرام، كما هو مبين بأدلته في الفتوى رقم: 1824.
ولا يرخص في شيء منه إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، فقد صح عن عمر وعمران بن حصين أنهما قالا: في المعاريض مندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وقال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب....إلى آخر كلامه.
وأما سماحة هذه الشريعة وعدلها ورحمتها: فهذا يعلمه المطلع على أحكامها، والدارس لتاريخ أهلها وتعاملهم مع مخالفيهم وخصومهم، والمسلمون يرحبون بكل شخص يدخل إلى المسجد، ويقدمون له المساعدة مهما كان حاله، ونصيحتنا أن تتزود من العلم النافع، والعمل الصالح، وأن تكون مثالا حسنا للمسلم الذي يقدم الهداية والدعوة لغير المسلمين.
والله أعلم.