عنوان الفتوى : حكم التعامل من يسب الله عز وجل
لي أخ أكبر منِّي، وكثيرًا ما يشتم ويسبُّ الله عمدًا في أبسط الأُمور، وأنا موقنٌ أنَّه كافرٌ لفعلِه الشنيع من تطاولٍ على الله تعالى، وأسئلتي لحضرتكم في باب المعاملات معه: فهل أُحيِّيه بتحيَّة الإسلام؟ وما حُكم قبول المال منه؟ وهل عليَّ أن أُحِبَّهُ؟ وهل من الأفضل هجره؟ عِلمًا بأنَّه مُدرِك لخطورة أفعالِهِ فهو يسكن في بلد مُسلم ويسمع يومِيًّا الأذان ويعلم أننِّي أُصلِّي ولم يحترم حضوري معه، بل بكلِّ بساطة يسبُّ الله على أبسط وأتفه الأُمور.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يسب الله تعالى مرتد كافر خارج من الملة بإجماع أهل العلم، وتشمله أحكام الردة ولا تجوز محبته، بل يجب بغضه في الله تعالى، فقد قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة:22}.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {الممتحنة:1}.
وقد نقل ابن عبد البر في التمهيد: عن إسحاق بن راهويه أنه قال: وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر. اهـ.
وأما عن السلام عليه: فيجوز أن تحييه بلفظ غير السلام عليكم فتقول له مرحبا أو غيره من الألفاظ التي تدل على التحية، وأما ابتداؤه بلفظ السلام فمختلف فيه، كما قدمنا تفصيله في الفتويين رقم: 17051، ورقم: 37526.
وأما قبول المال منه: فهو جائز، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار وطعامهم وتعامل معهم بالشراء والاقتراض.
وأما عن هجره: فيجب السعي في هدايته والحوار معه وإقناعه بالتوبة والرجوع عما هو عليه، فإن حصل ذلك ولم يتب وأصر على الكفر، فإنه يُشرع لك هجره في الله تعالى، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هجر الكافر المرتد واجب إذا لم يفد فيه النصيحة. اهـ
وقال ابن مفلح في الفروح في عيادة الذمي: فَجَازَتْ عِيَادَتُهُ وَتَعْزِيَتُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَعَكْسُهُ مَنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لِوُجُوبِ هَجْرِهِ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ نَهْجُرْ أَهْلَ الذِّمَّةِ، لِأَنَّا عَقَدْنَاهَا مَعَهُمْ لِمَصْلَحَتِنَا بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ، وَلَا أَهْلَ الْحَرْبِ، لِلضَّرَرِ بِتَرْكِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ: فَإِنَّ الصَّحَابَةَ بَايَنُوهُمْ بِالْقِتَالِ، وَأَيُّ هَجْرٍ أَعْظَمُ مِنْ هذا. اهـ
والله أعلم.