عنوان الفتوى : هل للبنت الفقيرة الأخذ من زكاة أمها حيث وكلتها بتوزيعها
أنا متزوجة من زوج يعطيني مصروفا بقيمة: 1500 ريال كل شهر لي ولأطفالي، وهذا لا يفي بكل الحاجيات، وليس هذا عن تقصير منه ولكن هذه استطاعته، وأمي ـ حفظها الله ـ تعطيني بعض الفلوس أصرفها على حاجتنا، وأحيانا أرفض أخذها خوفا من أنه لا يجوز لي أخذها وتغضب إذا أرجعتها لها، فهل لي أن آخذها؟ وأحيانا تعطيني صدقات وتقول لي وزعيها على من يحتاجها، فهل لي أن آخذ منها، لأنني أخجل من أقول لها أنا محتاجة إلى المال؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا حرج عليك في قبول ما تهبه لك أمك أو ما تعطيه لك من صدقتها المستحبة لا سيما إن عَلِمْتِ أنها تغضب عليك إن لم تقبلي منها فقد يتعين عليك القبول حينئذ طلبا لرضاها وتجنبا لسخطها، وقد جاء في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ, وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ. قال الحافظ في البلوغ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وأما ما ذكرت أنها تعطيك من المال صدقة لتوزع: فإن كانت زكاة مالها، فإن الفقهاء اختلفوا في البنت المتزوجة إذا كان زوجها فقيرا هل لأصلها ـ والدها أو والدتها ـ أن يعطيها من زكاة ماله، فمنهم من قال يعطيها، لأن نفقتها سقطت عنه بتزويجها، وانظري الفتوى رقم: 40952.
ومنهم من قال لا يعطيها، لأنه لو كانت كذلك لوجب عليه أن ينفق عليها, ولأن الأصل أن لا تُدفع الزكاةُ للفروع والأصول، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لي بنت متزوجة على رجل فقير، ونفقتها ليست واجبة علي، بل على زوجها، فهل يجوز لي أن أعطيها زكاة الفطر وزكاة المال في هذه الحالة أم لا؟ أفيدونا، فأجابت اللجنة بقولها: لا يجوز إعطاؤك زكاة مالك لابنتك لأنها لا تحل للأصول ـ وهم الآباء وإن علوا ـ ولا للفروع ـ وهم الأولاد وإن سفلوا ـ ولكن يجوز لك إعطاء الزكاة لزوجها الفقير. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجوز أن أدفع من زكاة مالي لبناتي المتزوجات علماً بأنهم فقراء؟ فأجاب بقوله: ذكر العلماء أن الإنسان لا يدفع الزكاة إلى ذريته، ولا لآبائه، ولا لأمهاته ـ أي لا أصوله ولا فروعه ـ وهذا إذا كانت تدفع إليه من أجل دفع الحاجة... وخلاصة الجواب: أن هذا الرجل الذي عنده بنات متزوجات وأزواجهن فقراء إذا لم يكن عنده مال يتسع للإنفاق عليهن فلا بأس أن يدفع زكاته إليهم، وليدفع المال إلى الأزواج، لأنهم هم المسؤولون عن الإنفاق فلا بأس بذلك على كل حال. اهـ.
فإذا كانت أمك غير قادرة على إتمام نفقتك التي تحتاجينها جاز دفع زكاتها لك، وهذا ما رجحناه في الفتوى رقم: 120057 عن دفع الأم زكاتها لابنتها المحتاجة.
وأما صدقة التطوع: فإذا وكلتك في تفريقها ولم تصرح لك بالإذن في الأخذ منها، فإن الفقهاء تعددت أقوالهم في حكم أخذ الوكيل من الصدقة التي وُكِّل بتفريقها فمنهم من منع، وهم الحنابلة وبه أفتت اللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ جاء في فتاوى اللجنة: الواجب عليك أن تنفق مما بقي على وجوه الخير.... أما أنت فلا تأخذ منه شيئا، لأنك وكيل والوكيل لا يأخذ لنفسه شيئا فيما وكل فيه إلا بإذن الموكل. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يتصرف فيما وُكِّلَ فيه بشيء فيه حظ لنفسه، فمن أعطي مالاً للفقراء وهو فقير فإنه لا يأخذ منه إلا بعد إذن من أعطاه المال.
ومن الفقهاء من أجاز للوكيل في تفريق الصدقة أن يأخذ منها لنفسه إذا كان يصدق عليه وصف الفقير أو المسكين، وهذا هو المفتى به في موقعنا، كما في الفتويين رقم: 141433، ورقم: 110654.
وعلى هذا القول إذا لم تحدد لك أمك أناسا معينين أو جهة معينة تدفعين صدقتها لهم فإنه يجوز لك أن تأخذي لنفسك منها ما تحتاجينه, ولا شك أن الأولى أن لا تأخذي إلا بإذن منها خروجا من الخلاف.
والله أعلم.