عنوان الفتوى : دفع الزكاة للفقير ليشتري بها بيتا
أختي وزوجها موظفان، وليس لهما بيت، ويسكنان بالإيجار، وراتبهما على قدر صرفهما وعيالهما. ولهما قطعة أرض لا يستطيعان بناءها، ولا تكفي قيمتها مع ما في أيديهما لشراء بيت جاهز؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعني أن أختك تنفق مع زوجها من راتبها، ولولا نفقتها معه لكان راتب الزوج وحده لا يكفي للإيجار وبقية النفقة؛ فإنه يجوز لك أن تدفع له من زكاتك، ما يُتِمُّ له كفايتَه مدة سنة كاملة. ولا يمنع من هذا كون زوجته تعمل وتشاركه في الإنفاق؛ إذ هذا تبرع منها، فيجوز أن يُعطى من الزكاة، بل يجوز لها هي أن تدفع زكاة مالها لزوجها، ما دام على تلك الحال.
جاء في الموسوعة الفقهية: مَنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا بِأَنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِنَفَقَتِهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، لِدُخُولِهِ فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ. اهــ.
ومثله عند الشافعية أيضا، ففي حاشية الشرواني: الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ، فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. اهـ.
وأما شراء بيت له: فهذا ينبني على خلاف الفقهاء في مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة، فمنهم من يرى أنه يعطى كفايته سنة فقط ولا يزاد عليها. وهذا قول جمهور الفقهاء، وعلى قولهم لا يُدفع له ما يشتري به بيتا، ومنهم من يرى أنه يعطى كفايته أبدا ويغنيه غالب العمر، وعلى هذا القول لا حرج في إعطائه من الزكاة ما يتمكن به من شراء البيت.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ: الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. إِلَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْل الْحَاجَةِ الْمُسْتَحِقَّ لِلزَّكَاةِ بِالْفَقْرِ أَوِ الْمَسْكَنَةِ، يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ الْكِفَايَةَ أَوْ تَمَامَهَا، لَهُ، وَلِمَنْ يَعُولُهُ عَامًا كَامِلاً، وَلاَ يُزَادُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا حَدَّدُوا الْعَامَ؛ لأِنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُل عَامٍ غَالِبًا، وَلأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ لأِهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ .....
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَنْصُوصٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ يُعْطَيَانِ مَا يُخْرِجُهُمَا مِنَ الْفَاقَةِ إِلَى الْغِنَى، وَهُوَ مَا تَحْصُل بِهِ الْكِفَايَةُ عَلَى الدَّوَامِ؛ لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِل إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَال: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ. الْحَدِيثَ. اهـ.
وقال النووي في المجموع: وَالصَّحِيحُ، بَلْ الصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إعْطَائِهِ كِفَايَةَ عُمْرِهِ، هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ. اهــ.
ونص أيضا في منهاج الطالبين، على أنه يعطى ما يشتري به عقارا؛ فقال: الأصح المنصوص، وقول الجمهور كفاية العمر الغالب فيشتري به عقارا يستغله. اهـ.
ومثله قاله الخطيب الشربيني الشافعي: وَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ كِفَايَةَ عُمُرٍ غَالِبٍ، فَيَشْتَرِيَانِ بِمَا يُعْطَيَانِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلَّانِهِ. اهـ.
ولا نرى حرجا في الأخذ بهذا القول، بأن يعطى الفقير والمسكين ما يتمكن به من شراء بيت يؤويه هو وأسرته.
والله تعالى أعلم.