عنوان الفتوى : حكم المقتول ظلما في غير معركة من حيث تغسيله وتكفينه والصلاة عليه
في بداية شهر 10 لسنة 2012 اتخذت الحكومة الليبية قرارًا بالقبض على مطلوبين في مدينة بني وليد, وهو ما يعرف عندنا بالقرار رقم: 7, وكان هذا القرار قد اتخذ بضغط ممن يسمون أنفسهم بالثوار، وقد قامت مجموعات كبيرة بحصار المدينة من جميع الاتجاهات, ومعهم أعتى أنواع الأسلحة, وقد اقترح أعيان بني وليد الحل السلمي للقضية, مع العلم أن وفود المشايخ من كل ليبيا بدأت بالتوافد على بني وليد من أجل حقن الدماء, ووافق أعيان بني وليد على شروط مشايخ ليبيا, ولكن المجموعات التي كانت تحاصر بني وليد رفضت الحل السلمي، ومع خروج مشايخ ليبيا من البلدة بدأت العصابات التي تحاصر البلدة بالدخول لها, ولكنهم وجدوا مقاومة من أهلها, فتراجعوا ما يقارب من 20 كم من البلدة, وبدؤوا يقصفونها بالأسلحة الثقيلة, ولم يراعوا طفلًا, ولا شيخًا, ولا عجوزًا, ولا شيئًا أمامهم, بل قصف متواصل, مع العلم أن هذا كان في العشر الأولى من شهر ذي الحجة, وبدأ الرعب بين السكان, وكانت البيوت تقع على أهلها مع حصار البلدة, وكان آخر يوم هو يوم 23-10- 2012 - أي يوم 8 ذي الحجة - وأردت أنا وإخوتي الخروج والهرب من هذا الجحيم, فخرج أخي أمام البيت وبعد خمس دقائق خرجت أنا لأجد أخي يسبح في الدماء, ويلفظ أنفاسه الأخيرة, فقد أصابته شظية في الرأس, وقد لقي مصرعه, ومع عدم وجود مستشفيات؛ لكي أضعه في الثلاجة, ولشدة القصف فقد طلب مني الجيران أن أدفنه في ثيابه الملطخة بالدم, وقالوا: إنه شهيد, وبالفعل أنزلته إلى المقبرة ليلًا, وقمنا بدفنه، وبعد دفنه استطعنا الخروج من طريق جبلية حتى وصلنا طرابلس, وسمعنا أن العصابات قد دخلت بني وليد, وبالفعل بعد ستة أيام رجعنا وإذا بالبيوت أحرقت, وأرزاق الناس قد سلبت, فقد عاثوا فسادًا وحرقًا, وسرقوا كل ما هو موجود, وسمعنا أنهم قد وجدوا عددًا من السكان في بيوتهم, فقتلوا العديد منهم, وأسروا البعض الآخر, فهل طريقة دفن أخي صحيحة؟ وهل يعتبر شهيدًا أم لا؟ وإذا كانت غير صحيحة فكيف أصحح خطئي في الدفن؟ أفيدوني - بارك الله فيكم - وأقسم أن القصة كما حكيتها لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يرحم أخاك، وأن يحسن عزاءك فيه، ويسليك عنه بالصبر الجميل، ويرزقه الجنة.
واعلم أن من قتل من المسلمين ظلًما في مثل هذه المصادمات فنحسبه شهيدًا عند الله تعالى في الآخرة، وهو ما يعرف بشهيد الآخرة فقط؛ لأن أحكامه في الدنيا تختلف عن الشهيد الذي هو قتيل الكفار في الحرب, خلافًا لمذهب الحنابلة الذي سيأتي ذكره لاحقًا.
فأحكام من قتل من المسلمين ظلمًا في الدنيا أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه, شأنه شأن موتى المسلمين، ففي مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: ومن المدونة قال مالك: وأما من قتل مظلومًا، أو قتله اللصوص في المعترك، أو مات بغرق، أو هدم: فإنه يغسل ويصلى عليه, وكذلك إن قتله اللصوص في دفعه إياهم عن حريمه. انتهى.
وفي إعانة الطالبين: وأما شهيد الآخرة فقط فهو كغير الشهيد, فيغسل, ويكفن, ويصلى عليه, ويدفن, وأقسامه كثيرة, فمنها: الميتة طلقًا, والمقتول ظلمًا. انتهى.
وحيث إنه قد مضى ما يقرب من العام على دفن أخيك، فإنه لا ينبش القبر للتغسيل لعدم إمكانية غسله, قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: وَإِنْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ, أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ, نُبِشَ, وَغُسِّلَ, وَوُجِّهَ, إلا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَسَّخَ, فَيُتْرَكَ, وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي ثَوْرٍ. انتهى.
وكذلك لا ينبش القبر لأجل التكفين، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَصَحِّ, وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ دُفِنَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِ كَفَنٍ لا يُنْبَشُ قَبْرُهُ، وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ السَّتْرُ، وَقَدْ حَصَلَ التُّرَابُ مَعَ مَا فِي النَّبْشِ مِنَ الْهَتْكِ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ. انتهى.
وأيضًا لا ينبش إذا لم يصل عليه، وإنما يصلى على القبر، ففي الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ, وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ, اخْتَارَهَا الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ لا يُنْبَشُ قَبْرُ الْمَيِّتِ مِنْ أَجْلِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ, مَعَ إِمْكَانِيَّةِ الصَّلاةِ عَلَى الْقَبْرِ. انتهى.
وما سبق من تفصيل هو مذهب الجمهور في أن من قتل ظلمًا فإن حكمه حكم شهيد الآخرة فقط.
وأما الحنابلة فيرون أن المقتول ظلمًا شهيد في أحكام الدنيا والآخرة معًا، فلا يغسل, ولا يكفن, ولا يصلى عليه، قال في كشاف القناع: ومن قتل مظلوًما، حتى من قتله الكفار صبرًا في غير الحرب ألحق بشهيد المعركة في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه. انتهى.
وعليه, فما فعلته بأخيك يكون موافقًا لمذهب الحنابلة, وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 187699.
والله أعلم.