عنوان الفتوى : من الخطأ ترك الأسباب ثم إيقاع اللوم على القدر
أنا شاب أعطاني الله عز وجّل قدرات عقلية عالية، وحين التقدم لامتحانات الثانوية العامة تأخرت بسبب إهمالي، ومع ذلك حصلت على معدل منخفض مما أدى إلى تحطيم آمالي وأرقني، و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يوقن بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وعليه أن يجد ويجتهد ويأخذ بالاحتياطات وأسباب النجاح، ويبتعد عن أسباب الفشل والخسارة، فمن جدَّ وَجَدَ، ومن زرع حصد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.. الحديث. رواه مسلم.
ولا ينبغي لعاقل أن يهمل الأسباب ويترك الدراسة والمذاكرة ثم يقول لماذا أعطاني الله سبحانه وتعالى قدرات عقلية عالية ولم أفلح؟ فما مثال ذلك إلا مثال رجل أعطاه الله أرضا ولم يزرعها، ثم بعد رؤية المحاصيل الزراعية عند جيرانه قال لماذا أعطاني سبحانه وتعالى أرضا زراعية ولم يعطني الحبوب، وقديما قيل:
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط في زمن البذر.
وأما عن علاج المشكلة: فجد في الدراسة المستقبلة، واستعن بالدعاء وسؤال الله أن يوفقك، ومهما يكن من أمر، فإن ما يحصل من نجاح، أو فشل إنما يحصل بقضاء الله وقدره، ولكنه لا ينبغي ترك الأسباب المشروعة، ففي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
قال الباجي في منتقاه: ومعناه ـ والله أعلم ـ أن كل شيء بقدر، وأن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه، ولعله أراد بذلك العجز عن الطاعة والكيس فيها، ويحتمل أن يريد به في أمر الدين والدنيا. والله أعلم. اهـ.
وفي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر.
وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره. اهـ.
ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: جميع الحوادث كائنة بقضاء الله وقدره، وقد أمرنا الله سبحانه أن نزيل الشر بالخير بحسب الإمكان، ونزيل الكفر بالإيمان والبدعة بالسنة، والمعصية بالطاعة من أنفسنا ومن عندنا، فكل من كفر أو فسق أو عصى فعليه أن يتوب وإن كان ذلك بقدر الله، وعليه أن يأمر غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر بحسب الإمكان ويجاهد في سبيل الله، وإن كان ما يعمله من المنكر والكفر والفسوق والعصيان بقدر الله، فليس للإنسان أن يدع السعي فيما ينفعه الله به متكلا على القدر، بل يفعل ما أمر الله ورسوله، كما روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ـ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرص على ما ينفعه، والذي ينفعه يحتاج إلى منازعة شياطين الإنس والجن، ودفع ما قدر من الشر بما قدره الله من الخير، وعليه مع ذلك أن يستعين بالله، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن يكون عمله خالصاً لله. انتهى.
والله أعلم.