عنوان الفتوى : الاختلاف بين أتباع الحق والتنابز بالألقاب يكرس الفرقة والخصام
في مدينتنا يوجد أناس صوفية كثيرون، لديهم بدع في الدين. أما في المنطقة التي أسكن بها فمنهاج سلف صحيح، لكن كذلك بينهم اختلاف، ولا أعلم جيداً ما هو سر الاختلاف. لكن ذات مرة من المرات تحدثت مع أحدهم، سأكتبها بشكل واضح لتفهم علي أكثر شيخنا الفاضل. الحديث الذي جرى بيننا. يقول شيخ المسجد الأول: شيوخ المسجد الثاني لديهم تنطع، وغلو، أصبحوا لا يلقون تحية السلام علينا، ويقولون لا يجوز أيضا الصلاة في مسجدنا. سألته لماذ؟ا قال لي: يقولون بأننا لا نحارب أهل البدع، ويتهمونا بأننا مبتدعة، ونحن في الحقيقة منهاجنا سلفي. ويقول أيضا إنه لا حرج أن نسلم على أهل البدع من الصوفية، وننصحهم، ولا نقاطعهم عسى أن يبتعدوا عن البدع. وانتهى الكلام بيننا. علماً بأن أهل البدع المقصويون بدعتهم: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، والأخرى يقومون بعمل حلقة دائرية بينهم ويبدؤون بالذكر سوياً، والأخيرة الأذكار بعد الصلاة جهراً. هذا ما نراه ظاهرا عليهم. بعد هذا الشرح سؤالي لكم: مع من أستمر في الدروس والمتابعة مع هذا الاختلاف الحاصل بين أهل السلف؟ وكيف النجاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغالب من حال من ينتسب إلى الصوفية في زماننا هذا، الوقوع في كثير من الشركيات، والبدع، والخرافات؛ وذلك بسبب غلبة الجهل، والتقليد الأعمى للزعماء والثقة بهم، هذا مع عدم ثقتهم بمن يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة، وتوحيد المعبود، وهو الله سبحانه، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك للتشويش والشبهات التي تثار حول هؤلاء.
وللمزيد حول الصوفية يمكن مطالعة الفتاوى أرقام: 8500 - 13742 - 27699.
فالذي ننصح به هو الرفق، وهو الأصل في الدعوة إلى الله سبحانه؛ كما أوضحنا بالفتوى رقم: 198373
فيبين لهؤلاء القوم الحق بدليله من الكتاب والسنة، وبدافع الشفقة عليهم، والحرص على نجاتهم، وعدم استفزازهم بما يمكن أن يدعوهم إلى التعصب لباطلهم، ويحول بينهم وبين قبول الحق. ومن عاند فيشرع هجره إن غلب على الظن أن المصلحة في هجره. وراجع الفتوى رقم: 133245.
وينبغي العلم بأن الله تعالى قد أمر بالوحدة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا {آل عمران:103}. ويجب على أتباع الحق وحملة لواء نصرة السنة النبوية، الحذر من الاختلاف ونبز بعضهم بعضا بألقاب ما أنزل الله بها من سلطان، من نحو" المتنطعين " أو " المتساهلين " ونحو ذلك. فإن هذا مدعاة لإثارة الضغائن والأحقاد، وتكريس للفرقة والخصام. والله تعالى يقول: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال:46}.
وينبغي لكل من الطرفين أن يلتمس للآخر العذر فيما يؤديه إليه اجتهاده، فإذا رأى هذا هجرهم، فقد يرى الآخر أن المصلحة في تأليف قلوبهم. ليحذر المسلم عند اختلاف إخوانه أن يتعصب لهذا أو ذاك، بل عليه أن يعامل الجميع بمقتضى الشرع والأخوة الإسلامية، ويناصح الجميع.
ومثل هذا الاختلاف الواقع بين هؤلاء الإخوة ليس بمانع شرعا من تلقي العلم على يد أي شيخ من أي واحدة من الطائفتين إن كان أهلا لتلقي العلم عنه. على أن يحذر المسلم التعصب، أو الدعوة إلى العصبية، أو الموالاة والمعاداة على مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، فيعامل الجميع على أساس الأخوة الإسلامية.
ومن جميل كلام ابن القيم في صفة متبع الحق قوله: بل إذا سُئل عن شيخه؟ قال: رسول الله، وعن طريقته؟ قال: الاتباع. وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى. وعن مذهبه؟ قال: (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ). وعن رباطه وخانكاه؟ قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ { النور: 36-37 }. وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم. اهـ.
وهذا الاختلاف الحاصل بين هؤلاء الإخوة لا مدخل له في حديث افتراق الأمة، فإنه متعلق بالاختلاف في الأصول.
جاء في شرح سنن الترمذي للمباركفوري قوله: قال العلقمي: قال شيخنا: ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه، من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد، وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة، وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير، ولا تقسيم للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الخلاف. اهـ.
والله أعلم.