عنوان الفتوى : قتل النفس المعصومة وأكلها لدفع المخمصة.. رؤية شرعية
كنا على سفر وضل بنا الطريق في الصحراء وأصابنا الجوع الشديد, فذبحنا ابنة عمي وأكلناها، فما الحكم في ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز شرعا، ولا يسوغ طبعا، أن يقتل الإنسان إنسانا معصوم الدم ليعيش هو! ولا تبيح الضرورة مثل ذلك بإجماع أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: وإن لم يجد إلا آدميا محقون الدم، لم يبح له قتله إجماعا، ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو كافرا، لأنه مثله، فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه، وهذا لا خلاف فيه. اهـ.
والقاعدة الفقهية في مثل هذا أن: الضرر لا يزال بمثله ـ جاء في الموسوعة الفقهية: هذه القاعدة مقيدة لقاعدة: الضرر يزال ـ بمعنى أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف منه، كما هو مقتضى قاعدة: الضرر الأشد يزال بالأخف ـ وأما إزالة الضرر بضرر مثله أو أشد فلا يجوز، وهذا غير جائز عقلا ـ أيضا ـ لأن السعي في إزالته بمثله عبث، ومن فروع هذه القاعدة ما لو أكره على قتل المسلم بالقتل مثلا لا يجوز، لأن هذا إزالة الضرر بضرر مثله؛ بخلاف أكل ماله فإنه إزالة الضرر بما هو أخف. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 130988.
ولهيئة كبار العلماء بحث بعنوان: بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا وعصمة دمه ووجوب حقنه حيا ـ تعرضوا فيه لهذه المسألة تفصيلا.
وإمعانا في هذا المعنى ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المضطر إذا خشي على نفسه التلف ولم يجد سوى ميتة آدمي: أنه لا يأكل منها، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، سبق لنا ذكره في الفتويين رقم: 26505، ورقم: 38000.
وعلى ذلك، فقد أسأتم إساءة بليغة، وأخطأتم خطئا فادحا، بذبح ابنة عمكم، ولستم معذورين بحال المخمصة التي أصابتكم، ولو كان ذلك سيؤدي إلى موتكم جميعا، والواجب عليكم الآن هو التوبة من هذا الإثم الكبير، ثم إن لأولياء هذه المرأة حق القصاص، إلا أن يعفوا ويقبلوا الدية أو يتصدقوا بها عليكم، جاء في مغني المحتاج للخطيب الشربيني: يجب القصاص على المكرَه بفتح الراء في الأظهر، لأنه قتله عمدا عدوانا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله بل أولى، لأن المضطر على يقين من التلف إن لم يأكل بخلاف المكرَه. اهـ.
وجاء في المبدع لابن مفلح: وإن قتل المضطر، فعليه ضمانه، لأنه قتل ظلما. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 28646.
والله أعلم.