عنوان الفتوى : التقاذف بقشر البطيخ في المزاح هل هو من السنة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يصح أن التقاذف بقشر البطيخ سنة ، وإذا كان لم يرد إلا عن الصحابة ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي.... ) ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أخرج البخاري في الأدب المفرد ( 266 ) عن بكر بن عبد الله قال : ( كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
ومعنى ( يتبادحون بالبطيخ ) أي : يترامَوْن به . غريب الحديث للخطابي (3 /114) ، ولسان العرب (2/408) .

والمقصود بالبطيخ هنا هو قشره , وهذا منهم رضوان الله عليهم من قبيل المزاح , والدعابة وسماحة النفس , والمزاح جائز مشروع ، إذا خلا من المخالفات الشرعية التي سبق بيانها في الفتوى رقم : (22170) .

وقد وضع بعض أهل العلم ضابطا للمزاح المحمود والمزاح المذموم , فقال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه : " الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح وترك التعبس , والمزاح على ضربين : فمزاح محمود , ومزاح مذموم , فأما المزاح المحمود فهو : الذي لا يشوبه مَا كره اللَّه عز وجل ، ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم . وأما المزاح المذموم : فالذي يثير العداوة ، ويذهب البهاء ويقطع الصداقة ويجرىء الدنيء عليه ويحقد الشريف به " انتهى من " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (1/77) .

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يمزح ولا يقول إلا صدقا وحقا , فقد روى الترمذي (1990) وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله ، إنك تداعبنا ! قال : ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الأدب المفرد " برقم : (265) .

من هنا نعلم أن المزاح سنة لمن يحسنه ويحقق شرطه ويضعه موضعه , قيل لسفيان بن عيينة : " المزاح هجنة ؟ [ أي : عيب ؟ ] قال : بل سنَّة ، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه " انتهى من " شرح السنة للبغوي " (13/184) .

وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يرفهون عن أنفسهم بشيء من المزاح المباح يستعينون بذلك على الحق , قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان .
وعن أبي الدرداء : إني أستجم ببعض الباطل [ يعني بذلك أشياء من المباحات ولا يعني أنها من المحرمات ] ليكون أنشط لي في الحق .
وقال ربيعة بن عبد الرحمن : المروءة ست خصال : ثلاثة في الحضر ، وثلاثة في السفر ، ففي الحضر : تلاوة القرآن ، وعمارة مساجد الله ، واتخاذ القرى في الله [ أي : إكرام الضيف ] ، والتي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، وكثرة المزاح في غير معصية . ينظر : " شرح السنة للبغوي " (13/184) .
ومع كون المزاح المشروع سنة ، لكن التقاذف بقشر البطيخ بخصوصه لا يعتبر سنة , والصحابة رضوان الله عليهم وإن فعلوه ، فإنه لا يطلب من الناس الاقتداء بهم فيه , بل يطلب الاقتداء بهم في سماحة النفس والتواضع والتحبب إلى الناس بالمزاح المشروع , ثم بعد ذلك تترك آليات المزاح وطريقته بحسب ما يناسب كل عصر وشخص , فرب أمر يناسب شخصا لا يناسب آخرا , ورب تصرف يسعد شخصا ينزعج منه آخر وهكذا .

والله أعلم .