عنوان الفتوى : نظرة شرعية حول مسألة تداول السلطة بين الأحزاب
أنا شاب من ليبيا، عندي سؤال أيها الإخوة لم يجبني عليه أي أحد حتى الآن، أريد إجابة صريحة ومنضبطة بضوابط شرعية من الكتاب والسنة، حتى نستفيد ويستفيد الجميع. نحن نريد تحكيم شرع ربنا الحنيف ولا نقبل بغيره حكما بيننا، ونريد تكوين أحزاب في ليبيا، يعني أي حزب إذا صوتت له الأغلبية يحكم لمدة من الزمن، وتليه باقي الأحزاب وهكذا. إذا على فهم بعض الناس يحق لكل مجموعة تكوين حزب في ليبيا، وإن كانت علمانية، أو ليبرالية، شيوعية إذا كنت تنادى بالديمقراطية ودولة القانون، فيحق لهم المشاركة في الحكم بنص الدستور الذي يوضع فى كل دساتير العالم، فإذا صوت الشعب لليبرالي أو العلماني، أو الشيوعي فعليك أن ترضى به حاكما عليك؛ لأنك تريد دولة الحرية والديمقراطية، فإذا عارضتهم وقلت لا نريدهم، فأنت إذا ضد القانون والدستور الذي يكفل الحرية لكل أحد. سألت أحد الإخوة كيف يستقيم شرع الله وننادى بأحزاب أخرى في البلاد؟ قال لي: نجعلها كلها أحزاب إسلامية، ضحكت وقلت: كيف؟ هل يوجد حزب إسلامي ليبرالي وشيوعي، وعلماني؟ قال: لا، تنافس على الحكم فقط، لكن كلها إسلامية، كلام غريب إذا أجعل الدستور هو شرع الله من الأول وريح رأسك. مثلما يقولون.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن ما يجري في الساحة السياسية المعاصرة من تكوين الأحزاب، وفتح بابها لكل من هب ودب، وتمكينه من الوصول لدفة الحكم؛ لا شك أن هذا ليس مما جاءت به الشريعة، بل مخالف لما جاءت به الشريعة, فالسياسة الشرعية معناها سياسة الناس بالدين وتدبير أمورهم بمقتضاه، وهذا من فروض الكفايات، وهي تقوم على تحكيم الشريعة وما جاءت به من الأخذ بمبدأ الشورى وتولية الأصلح.
وتلك الأحزاب كثير منها لا يرضى بتحكيم الشريعة؛ بل يسعى لإقصائها، ويحرص على تولية المفسدين ممن تجري بهم أهواؤهم وعقائدهم المنحرفة كالعلمانيين والليبراليين وغيرهم ممن تجمعهم الرغبة في إقصاء الشريعة عن حياة الناس, فحال هذا النوع من الأحزاب كما قيل "كالميازيب تجمع الماء كدرا وتفرقه هدرا ". ولكن هذا الواقع المفروض على الأمة ينبغي لأهل العلم والصالحين من أبنائها أن يتعاملوا معه بجمع الكلمة وتوحيد الصف، ولا يتركوا الباب مفتوحا لتلك الأحزاب تفسد دين الأمة ودنياها, وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى قيمة في نظام الحكم الإسلامي والفرق بينه وبين الديمقراطية، وكون الدولة مدنية أو دينية، والأمور التي يأباها الإسلام في الديمقراطية وما يوافقه؛ فانظر لكل ذلك الفتوى رقم: 127080 عن كون العلمانيين وكلاء الاستعمار، والفتوى رقم: 180585 عن الأحزاب الإسلامية والعلمانية، والفتوى رقم: 154193 حول كون الدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية هل يمكن ذلك, والفتوى رقم: 190837 عن أن نظام الحكم الإسلامي مباين للنظم الديمقراطية، والفتوى رقم: 18855 عن ما يقره الإسلام من الديموقراطية وما يأباه، والفتوى رقم: 188289 عن القول بأن الشعب مصدر السلطة.. رؤية شرعية سياسية، والفتوى رقم: 164595 عن المشاركة في الانتخابات وترشيح الأقل شرا.
والله تعالى أعلم.