عنوان الفتوى : الشعب مصدر السلطة.. رؤية شرعية سياسية
كنت أقرأ فوجدت أن أحد الشباب يقول على مرسي طاغوت وحكم بأنه غير مسلم وأن من يساند مرسي فهو مسلم ناقص التوحيد وعند
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن الشعب هو مصدر السلطة، وأنه هو الشرعية التي لا تعلو عليها شرعية، ونحو ذلك من هذا الكلام فيه تفصيل، فإن كان المراد بالسلطة: سلطة التشريع في الحلال والحرام بغير ما أنزل الله، فهذا كفر ـ والعياذ بالله ـ فإن التشريع حق خالص لله تعالى، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 35130، 32864، 129084.
وأما إن كان المراد بالسلطة: السلطة التنفيذية وسلطة اختيار الحاكم ومراقبته ـ فلا حرج في ذلك، قال الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته: أهل الحل والعقد يمثلون الأمة في اختيارهم الخليفة، باعتبار أن نصب الإمام من الفروض الكفائية على الأمة بمجموعها، وأن لها الحق في عزله حال فسقه، قال الرازي والإيجي وغيرهما: إن الأمة هي صاحبة الرئاسة العامة، وقال البغدادي: قال الجمهور الأعظم من أصحابنا ـ أي أهل السنة ـ ومن المعتزلة والخوارج والنجارية: إن طريق ثبوتها ـ أي الإمامة ـ الاختيار من الأمة، وهذا يدلنا على أن الأمة هي مصدر السلطة التنفيذية، لأن حق التعيين والعزل ثابت لها. اهـ.
وقال الشيخ عبد الوهاب خلاف في كتاب السياسة الشرعية: دعائم الحكومة في الإسلام هي الشورى، ومسئولية أولي الأمر واستمداد الرئاسة العليا من البيعة العامة، وهذه دعائم تعتمد عليها كل حكومة عادلة، لأن مرجعها كلها أن يكون أمر الأمة بيدها، وأن تكون هي مصدر السلطات، وقد قضت الحكمة أن تقرر هذه الدعائم غير مفصلة، لأن تفصيلها مما يختلف باختلاف الأزمان والبيئات، فالله أمر بالشورى وسكت عن تفصيلها ليكون ولاة الأمر في كل أمة في سعة من وضع نظمها بما يلائم حالها، فهم الذين يقرون نظام انتخاب رجالها والشرائط اللازمة فيمن ينتخب وكيفية قيامهم بواجبهم وغير ذلك مما تتحقق به الشورى، ويتوصل به إلى الاشتراك في الأمر اشتراكًا يحقق أمر المسلمين شورى بينهم. اهـ.
وننبه السائل وغيره إلى أن تكفير المسلمين من أخطر المسائل التي زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام ولاسيما في حق الأعيان، وقد سبق لنا بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، فراجع الفتويين رقم: 721، ورقم: 53835.
وننبه كذلك على أهمية تجنب الألفاظ المشتركة والعبارات المجملة، رفعا للالتباس وإزالة للإيهام، خاصة في المحافل العامة التي تحتاج إلى مزيد بيان وإيضاح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: كل لفظ يحتمل حقا وباطلا فلا يطلق إلا مبينا به المراد الحق دون الباطل، فقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وكثير من نزاع الناس في هذا الباب هو من جهة الألفاظ المجملة التي يفهم منها هذا معنى يثبته، ويفهم منها الآخر معنى ينفيه. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوتين رقم: 154193، ورقم: 172845.
وليس من العدل والإنصاف أن يطعن في دين المسلم بسبب عبارات مجملة تحتمل حقا وباطلا، مع الإعراض عن كلامه الصريح في وجوب تحكيم الشريعة ونصرتها، بل يجب فهم كلامه المجمل في ضوء كلامه المفصل.
والله أعلم.