عنوان الفتوى : حكم إجبار الحكومة المسلمين على العبادة
ما حكم إجبار الحكومة المسلمين على العبادة، أو أداء أحد مطلوبات الشريعة - كستر العورة، أو الصلاة، وغيرهما -؟ وعكس ذلك، وما حكم من قال بهذا القول: "لا يجوز على أي معهد أن يجبر طالباته المسلمات على لباس الخمار، أو الحجاب الساتر للعورة - أسأل الله أن يجزيكم أحسن الجزاء عن إجاباتكم -؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان حكم فرض الحاكم للحجاب على المرأة المسلمة، وذلك في الفتويين: 171037، 164649.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: على ولاة الأمور النهي عن ذلك ـ يعني كشف العورات ـ وإلزام الناس بأن لا يدخل أحد الحمام مع الناس إلا مستور العورة، وإلزام أهل الحمام بأنهم لا يمكنون الناس من دخول حماماتهم إلا مستوري العورة، ومن لم يطع الله ورسوله، وولاة الأمر من أهل الحمام، والداخلين: عوقب عقوبة بليغة، تردعه وأمثاله من أهل الفواحش الذين لا يستحيون لا من الله، ولا من عباده؛ فإن إظهار العورات من الفواحش. اهـ.
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: يجب على ولي الأمر منع النساء من الخروج متزينات، متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات، عاريات. اهـ.
وأما إلزام المعاهد العلمية لطالباتها بالحجاب الذي يستر العورات، فإن هذا متى تيسر كان من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد قال الله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40، 41].
وأما إلزام ولي الأمر للرعية بإقامة الصلاة: فهو أهم وآكد، وأمر الحسبة فيها أجل وأعظم، فإنها عماد هذا الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم: على المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب، والحبس .. وذلك أن الصلاة هي أعرف المعروف من الأعمال، وهي عمود الإسلام، وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وإنما فرضها الله ليلة المعراج، وخاطب بها الرسول بلا واسطة، لم يبعث بها رسولًا من الملائكة، وهي آخر ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصًا بعد تعميم، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [الأعراف: 170]، وقوله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45،] وهي المقرونة بالصبر، وبالزكاة، وبالنسك، وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 62]، وقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: 29] .. وأمرها أعظم من أن يحاط به، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال؛ لهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة. رواه مالك وغيره. اهـ. وقد سبق لنا بيان واجبات الحاكم تجاه رعيته، في الفتوى رقم: 105743، وراجع في تعريف الحسبة وبيان أركانها، وآدابها، ومراتبها، الفتوى رقم: 17092.
والله أعلم.