عنوان الفتوى : الذي سبَّ الدين إذا أتى بالشهادتين سرا أو صلى هل يُحكم بإسلامه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

شخص لي معرفة به، كان يسب الدين، فقمت بعدها بفترة بإخباره أن سب الدين كفر، ثم طلبت منه أن يقول الشهادة، فأقر بأنها كفر، وقال إنه لم يكن يعرف، ثم قال لي: سأقول الشهادة في سري، ولم يقلها أمامي, ثم قام بعدها بفترة بسب الدين مرة أخرى.س1: متى أستطيع الحكم عليه بأنه أصبح مسلما، علما بأنني أحيانا أراه يصلي، والطبيعي أنه يقول الشهادة في الصلاة، ولكني لم أسمعها منه جهرة منذ هذا اليوم ؟س2: ما حكم إن كان يعتقد أن قول الشهادة في السر يدخل الإسلام، وأنه لا يجب عليه قولها بلسانه كي يدخل الإسلام ؟ هل إن قالها بعد ذلك بلسانه يكفر لأنه شك في كفر من لا يقولها بلسانه ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن سب الدين كفر؛ ويجب إنكاره على من صدر منه بحسب الطاقة؛ وأمره بالنطق بالشهادتين، وتجديده التوبة بعد إخباره بشروطها الثلاثة: من الإقلاع عن موجب الإثم، والندم على صدوره منه، والعزم على عدم العودة إليه أبدا.

وإذا كنت أنكرت عليه واعترف بأن السب كفر، وأنه كان جاهلا، فإنك قد أديت ما عليك، وليس الجهل بحرمة السب عذرا في التكفير كما قال الشيخ محمد عليش، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين في فتاويهم.  

وأما اعترافه بالخطأ، وعزمه على النطق بالشهادتين، فهو دليل على توبته، فإن فعل ذلك فإنه تصح توبته فيما بينه وبين الله تعالى، واختلف في قبول الحاكم الشرعي ذلك منه، فقيل لا يقبل بل يجب قتله، والراجح عدم ذلك.

  وأما إن لم ينطق الشهادتين، فلا تقبل توبته حتى يتأكد من قوله إياهما ولو في الصلاة معتقدا لمعناهما.

فقد قال الرملي في فتاواه: قال الكمال بن أبي شريف: ولا بد في إسلام المرتد من أن يأتي بالشهادتين، ثم إن كانت ردته بجحد فرض، أو استباحة محرم، فلا بد مع ذلك أن يرجع عما اعتقده.  اهـ .
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: واتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك، ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلا، بل يخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمنا. اهـ.

وقال الشيخ ابن باز: لا بد من النطق بالشهادتين, فلو أمكنه النطق ولكنه امتنع من النطق لم يدخل في الإسلام حتى ينطق بالشهادتين, وهذا محل إجماع من أهل العلم, ثم مع النطق لا بد من اعتقاد معنى الشهادتين والصدق في ذلك, وذلك بأن يعتقد بأنه لا معبود حق إلا الله. اهـ.

 وقال أيضا: سب الدين كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله، إذا سب المسلم دينه أو سب الإسلام، أو تنقص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه ردة عن الإسلام، قال الله تعالى: { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة : 65 ، 66] . وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه، أو استهزأ به ؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة ولو قتله ولي الأمر سدا لباب التساهل بالدين وسب الدين. والمقصود: أن سب الدين والتنقص للدين، أو للرسول صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بذلك ردة وكفر أكبر بإجماع المسلمين، وصاحب هذا يستتاب فإن تاب قبل الله توبته، وعفا عنه، أما كونه يقبل في الدنيا أم لا يقبل فهذا محل خلاف بين أهل العلم. اهـ. 

واذا كنت رأيت هذا الشخص يصلي، فإنه ينبغي أن يحكم عليه بالإسلام بمجرد الصلاة.

  قال صاحب الروض المربع معلقا على قول صاحب زاد المستقنع: فإن صلى فمسلم حكما ـ فإن صلى الكافر على اختلاف أنواعه في دار الإسلام، أو الحرب جماعة، أو منفردا بمسجد أو غيره فمسلم حكما، فلو مات عقب الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين ويغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقابرنا. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى, وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً, وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ ...... وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي الْأَصْلِيِّ، حَصَلَ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ كَالشَّهَادَتَيْنِ؛ فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ رِدَّتِهِ حُكِمَ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ... اهــ.

والله أعلم.