عنوان الفتوى : ثواب عمل المرأة في بيتها، ومسائل في عملها
اطلعت على فتاويكم في الموقع بخصوص عمل المرأة، ومما جاء فيها أن عمل المرأة أصله الإباحة, ولكنه يقيد بالحاجة إلى العمل, وأن تكون بيئة العمل مناسبه لطبيعة المرأة, وألا يوجد بها اختلاط بالرجال. وسؤالي هو: إذا كانت المرأة غير محتاجة ماديًا للعمل, ومجال دراستها ليس التطبيب والتمريض والتدريس- والتي من الضروري أن يكون فيها امرأة عاملة - وإنما مجال العمل فيه يكون مختلطًا دائمًا، فما حكم خروجها للعمل إذا التزمت بالضوابط الشرعية: استئذان وليها, والتزامها بالحجاب الشرعي, وغض البصر, وعدم الخضوع بالقول؟ هل فتواكم بقرار المرأة في بيتها, ورعاية أبنائها, وعدم خروجها للعمل إلا لحاجة تستوي فيها المرأة المتزوجة والفتاة غير المتزوجة - التي قد تكون لها حاجة معنوية ونفسية للعمل لشغل فراغها, والذي ربما يكون أكثر ضررًا عليها من العمل؟ و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى للمرأة عمومًا أن تقر في بيتها، ولا تخرج للعمل إلا لضرورة أو حاجة, مع الالتزام بالضوابط الشرعية, لا فرق في ذلك بين المرأة المتزوجة وغيرها.
وأما العمل في أماكن الاختلاط المحرم مع عدم وجود الحاجة: فلا شك في عدم جوازه لما فيه من المخالفات الشرعية, والمحاذير التي لا تحمد عقباها, ولمعرفة ضوابط عمل المرأة انظر فتوانا رقم: 24827, ورقم: 9653 ورقم: 28006, وما فيهما من إحالات.
ولعل من عدَّ من ضوابط جواز عمل المرأة الحاجة إليه لا يقصد بذلك كونها شرطًا لجوازه, وإنما يقصد بذلك النصح والإرشاد إلى الأسلم, وهو ترك العمل لغير المحتاجة إليه، جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل أنّ وظيفة المرأة الأولى هي إدارة بيتها, ورعاية أسرتها, وتربية أبنائها, وحسن تبعّلها، يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: « المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها, وهي غير مطالبةٍ بالإنفاق على نفسها، فنفقتها واجبة على أبيها أو زوجها؛ لذلك كان مجال عملها هو البيت، وعملها في البيت يساوي عمل المجاهدين, ومع ذلك فالإسلام لا يمنع المرأة من العمل فلها أن تبيع وتشتري، وأن توكّل غيرها، ويوكّلها غيرها، وأن تتاجر بمالها، وليس لأحدٍ منعها من ذلك ما دامت مراعيةً أحكام الشّرع وآدابه, والنّصوص الدّالّة على جواز عمل المرأة كثيرة، والّذي يمكن استخلاصه منها، أنّ للمرأة الحقّ في العمل بشرط إذن الزّوج للخروج، إن استدعى عملها الخروج وكانت ذات زوجٍ، ويسقط حقّه في الإذن إذا امتنع عن الإنفاق عليها. انتهى مع بعض الحذف.
وأما كيف ستفيد المرأة أمتها بما تعلمته: فهذا أمر له مجالات كثيرة ومتعددة: ومنها: العمل في مجال صالح للمرأة, ومنضبط بالضوابط الشرعية, ومنها: العمل في المجال الدعوي والخيري المنضبط, ومنها: القيام بتربية الأبناء, وإنشاء الأسرة الصالحة, وتعليمهم العمل النافع, ومنها: الكتابة في المجال الذي تتقنه المرأة ونشره بين الأمة, إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن للمرأة أن تخدم بها أمتها.
ولا يدخل ترك المرأة للعمل في حديث كتم العلم؛ لأن الأمر علق في الحديث بمن سأل فكتم لا بمن لم يُسأل, قال ابن العربي في أحكام القرآن ج1/ص73: " أن من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية, ولما روى أبو هريرة وعمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار, وأما من لم يسأل فلا يلزمه التبليغ إلا في القرآن وحده", كما أن الكتمان ليس بعدم العمل إنما بقصد إخفاء العلم حتى ولو عملت المرأة, قال الآلوسي في روح المعاني ج2/ص27: "والكتمان ترك إظهار الشيء قصدًا مع مساس الحاجة إليه, وتحقق الداعي إلى إظهاره, وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه, وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه".
والله أعلم.