أرشيف المقالات

عدد مرات الطلاق

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
عدد مرات الطلاق

قوله: "وهو مُعتبر بالرجال..." إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "يملك الحر ثلاث طلقات وإن كان تحته أمَة، ويملك العبد اثنتين ولو كان تحته حُرة، وعنه[2]: أن الطلاق بالنساء، فيملك زوج الحُرة ثلاثًا وإن كان عبدًا، وزوج الأمة اثنتين وإن كان حُرًّا"[3].

قال في "الحاشية": "قوله: يملك الحر...
إلى آخره، هذا المذهب[4]، روي ذلك عن عمر، وعثمان، وزيد، وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك[5] والشافعي[6] وإسحاق وابن المنذر؛ لما روى أبو رزين قال: جاء جلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾، فأين الثالثة؟ قال: ﴿ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]".
رواه أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر، وصحَّحه ابن القطان[7].

وقال عمر: يُطلق العبد تطليقتين، رواه الشافعي والدارقطني بإسناد جيد[8]، وعن عائشة مرفوعًا: "طلاق العبد اثنتان"، رواه الدارقطني بإسناد ضعيف[9].
ولأن الله خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه مُعتبرًا بهم.

قوله: وعنه[10] أن الطلاق بالنساء...
إلى آخره، رُوي ذلك عن علي[11]، وبه قال ابن مسعود والحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري؛ لحديث عائشة مرفوعًا: "طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان"، رواه أبو اد والترمذي وابن ماجه والبيهقي[12]، من رواية مظاهر بن أسلم، وهو منكر الحديث، فعليها يعتبر طَرَيَان الرِّقِّ بالمرأة.
وقال الزركشي: والأحاديث في هذا الباب ضعيفة، والذي يظهر من الآية الكريمة: أن كل زوج يملك الثلاث مُطلقًا.

قال في "الإنصاف": وهو قوي في النظر، وعلى المذهب: لو علق العبد الثلاث بشرط فوجد بعد عتقه طلقت ثلاثًا على الصحيح، وإن علَّق الثلاث بعتقه لغت الثالثة[13].
فائدة: المعتق بعضه كالحر على الصحيح[14]، والمكاتب كالقن، وكذلك المدبر، والمعلق عتقه بصفة"[15].
وقال في "الإفصاح": "واختلفوا هل يُعتبر الطلاق بالرجال دون النساء، والعدة بالنساء دون الرجال؟ فقال مالك[16] والشافعي[17] وأحمد[18]: يعتبر الطلاق بالرجال دون النساء، والعدة بالنساء دون الرجال، وقال أبو حنيفة[19]: الطلاق مُعتبر بالنساء"[20].

وقال ابن رشد: "وأما اختلافهم في اعتبار نقص عدد الطلاق البائن بالرق: فمنهم من قال: المُعتبر فيه الرجال، فإذا كان الزوج عبدًا كان طلاقه البائن الطلقة الثانية، سواء كانت الزوجة حُرة أو أمة، وبهذا قال مالك[21] والشافعي[22]، ومن الصحابة: عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وإن كان اختلف عنه في ذلك، لكن الأشهر عنه هو هذا القول.

ومنهم من قال: إن الاعتبار في ذلك هو بالنساء، فإذا كانت الزوجة أمة كان طلاقها البائن الطلقة الثانية، سواء كان الزوج عبدًا أو حرًا، وممن قال بهذا القول من الصحابة: علي وابن مسعود، ومن فقهاء الأمصار: أبو حنيفة[23] وغيره، وفي المسألة قول أشذُّ من هذين: وهو أن الطلاق يُعتبر برق من رق منهما، قال ذلك عثمان البتي وغيره، وروي عن ابن عمر.
وسبب هذا الاختلاف: هل المؤثر في هذا هو رقُّ المرأة أو رق الرجل؟ فمن قال: التأثير في هذا لمن بيده الطلاق، قال: يُعتبر بالرجال.

ومن قال: التأثير في هذا للذي يقع عليه الطلاق، قال: هو حكم من أحكام المُطلقة، فشبهوها بالعدة، وقد أجمعوا على أن العدة بالنساء[24]، أي: نقصانها تابع لرق النساء.
واحتج الفريق الأول بما رُوي عن ابن عباس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء"[25]، إلا أنه حديث لم يثبت في الصحاح.

وأما من اعتبر من رُقَّ منهما، فإنه جعل سبب ذلك هو الرق مطلقًا، ولم يجعل سبب ذلك لا الذكورية ولا الأنوثية مع الرق.
وأما كون الرق مؤثرًا في نقصان عدد الطلاق؛ فإنه حكى قوم أنه إجماع[26]، وأبو محمد ابن حزم وجماعة من أهل الظاهر مخالفون فيه، ويرون أن الحُر والعبد في هذا سواء[27].
وسبب الخلاف: مُعارضة الظاهر في هذا للقياس، وذلك أن الجمهور صاروا إلى هذا المكان قياس طلاق العبد [والأمة] على حدودهما، وقد أجمعوا على كون الرق مؤثرًا في نقصان الحد[28].

وأما أهل الظاهر فلما كان الأصل عندهم أن حكم العبد في التكاليف حُكم الحُرِّ إلا ما أخرجه الدليل، والدليل عندهم هو نص، أو ظاهر من الكتاب أو السنة، ولم يكن هنا دليل مسموع صحيح وجب أن يبقى العبد على أصله، ويشبه أن يكون قياس الطلاق على الحد غير سديد؛ لأن المقصود بنقصان الحد رخصة للعبد لمكان نقصه، وأن الفاحشة ليست تقبح منه قبحها من الحُر، وأما نقصان الطلاق فهو من باب التغليظ؛ لأن وقوع التحريم على الإنسان بتطليقتين أغلظ من وقوعه بثلاث، لما عسى أن يقع في ذلك من الندم، والشرع إنما سلك في ذلك سبيل الوسط، وذلك أنه لو كانت الرجعة دائمة بيد الزوجة لعنتت المرأة وشقيت، ولو كانت البينونة واقعة في الطلقة الواحدة لعنت الزوج من قبل الندم، وكان ذلك عُسرًا عليه، فجمع الله بهذه الشريعة بين المصلحتين؛ ولذلك ما نرى -والله أعلم- أن من ألزم الطلاق الثلاث في واحدة فقد رفع الحكمة الموجودة في هذه السنة المشروعة"[29] انتهى.

قلت: والأقرب: الأخذ بالحديث المشهور وإن كان فيه مقال (طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان)[30]، وبالله التوفيق.
وقال الحافظ في قصة بريرة: "وفيه أن العدة بالنساء؛ لما تقدم من حديث ابن عباس: أنها أُمرت أن تعتد عدة الحُرة، ولو كان بالرجال لأمرت أن تعتد بعدة الإماء، وفيه: أن عدة الأمة إذا عتقت تحت عبد فاختارت نفسها فثلاثة قُروء"[31].



[1] الروض المربع ص 417.



[2] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 307 - 308.



[3] المقنع 3/ 156 - 157.



[4] شرح منتهى الإرادات 5/ 401، وكشاف القناع 12/ 246.



[5] المنتقى شرح الموطأ 4/ 107.


[6] تحفة المحتاج 8/ 46، ونهاية المحتاج 6/ 454.



[7] أبو داود في المراسيل 1/ 189 220، والطبري 2/ 458.
وأخرجه أيضًا عبد الرزاق 6/ 337 11091، وابن أبي شيبة 5/ 259، من طريق إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، به.
مرسلًا.

وأخرجه الدارقطني 4/ 4، والبيهقي 7/ 340، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن إسماعيل بن سميع، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، به.

وأخرجه الدارقطني 4/ 2 - 4، من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، به.

وصححه موصولًا ابن القطان في بيان الوهم والإيهام 2/ 316.
وصوب الدارقطني والبيهقي وعبد الحق المرسل.

انظر: العلل للدارقطني 12/ 15 2350، والتلخيص الحبير 3/ 207 - 208.



[8] الشافعي في مسنده ص 298، وفي سننه 3/ 308، والبيهقي 7/ 158.



[9] الدارقطني 4/ 39.



[10] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 307 - 308.


[11] أخرجه سعيد بن منصور 1/ 357 1340.


[12] أبو داود 2819، والترمذي 1182، وابن ماجه 2080، والبيهقي 7/ 370 وقال أبو داود: وهو حديث مجهول.

وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث.

وقال ابن حجر في الدراية 2/ 70 568: صححه الحاكم، وفيه مظاهر بن أسلم وهو ضعيف، وقال الخطابي: الحديث حجة لأهل العراق، ولكن أهل الحديث ضعفوه.



[13] شرح منتهى الإرادات 5/ 402، وكشاف القناع 12/ 247.



[14] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 22/ 311.



[15] انظر: حاشية المقنع 3/ 156 - 157، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 22/ 307 - 311.


[16] المنتقى شرح الموطأ 4/ 107.



[17] الأم 8/ 325، ومغني المحتاج 3/ 294.



[18] شرح منتهى الإرادات 5/ 401، وكشاف القناع 12/ 244.


[19] فتح القدير 3/ 42 - 43، وحاشية ابن عابدين 3/ 259.



[20] الإفصاح 3/ 222.



[21] المنتقى شرح الموطأ 4/ 107.



[22] تحفة المحتاج 8/ 46، ونهاية المحتاج 6/ 454.



[23] فتح القدير 3/ 42، وحاشية ابن عابدين 3/ 259.



[24] فتح القدير 3/ 42 - 43، وحاشية ابن عابدين 3/ 259.
والمنتقى شرح الموطأ 4/ 107.
والأم 8/ 325، ومغني المحتاج 3/ 294.



[25] أخرجه ابن أبي شيبة 5/ 82 - 83، والبيهقي 7/ 169 - 370، موقوفًا على ابن عباس، وعكرمة، ومكحول، والشعبي، وإبراهيم، وسليمان بن يسار.

قال ابن حجر في الدراية 2/ 70 567: لم أجده مرفوعًا، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس بإسناد صحيح.
وانظر: العلل للدارقطني 5/ 195 618.


[26] فتح القدير 3/ 42، وحاشية ابن عابدين 3/ 259.
والمنتقى شرح الموطأ 4/ 107.
وتحفة المحتاج 8/ 46، ونهاية المحتاج 6/ 454.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 401، وكشاف القناع 12/ 246.



[27] المحلى 10/ 231 - 235.


[28] فتح القدير 4/ 186، وحاشية ابن عابدين 4/ 44.
والشرح الصغير 2/ 438، وحاشية الدسوقي 4/ 353.
وتحفة المحتاج 9/ 171، ونهاية المحتاج 8/ 14.
وشرح منتهى الإرادات 6/ 219، وكشاف القناع 14/ 100.



[29] بداية المجتهد 2/ 58 - 59.



[30] تقدم تخريجه 7/ 161.



[31] فتح الباري 9/ 416.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير