عنوان الفتوى : التقابض في مجلس العقد شرط في صحة الصرف
أنا مسلم مقيم في دولة خليجية, ولي بنت تدرس في بلدي, وطريقتي في إرسال المصروف الشهري لها تتلخص في أنني أقوم بالذهاب إلى شخص أعرفه موجود في نفس البلد الذي أنا فيه, وأسلمه المبلغ بعملة البلد الخليجي, لأن له أخًا هناك سيقوم هو بتسليم ابنتي ما يعادل قيمة ذلك المبلغ بالعملة المحلية لبلدنا خلال يومين أو ثلاثة أيام, وهذا الأخ الذي أتعامل معه ميزته أن سعر الصرف لديه أفضل بكثير من سعر صرف البنوك وجهات التحويل الرسمية, بالإضافة أيضًا إلى أن بلدي الأصلي الذي تقيم فيه ابنتي يضع الكثير من الحواجز أمام دخول النقد الأجنبي وتداوله بين أهل بلدي, أي أن أنني لو قمت بتحويله عن طريق البنوك فإن البنك الذي ستقوم بالاستلام منه لن يسلمها المبلغ المرسل مني لها بالعملة الأجنبية التي أرسلت به لتقوم هي بالبحث هناك عن سعر صرف أحسن إن أحبت, بل سيقوم بتسليمها المبلغ بعملة البلد المحلي, هذا بالإضافة إلى أن سعر صرفه للعملة الأجنبية فيه خسارة كبيرة لن يتحملها غيري بالإضافة إلى رسوم التحويل, فهل في طريقة تحويلي لابنتي ذلك المبلغ عن طريق هذا الأخ المقيم معي بحيث يستلم مني ويقوم أخوه الموجود في بلدنا بتسليم ما يعادل قيمته بعد صرفه بسعر صرف ممتاز جدًّا, فهل في هذا الفعل أي محظور شرعي ولماذا؟ أرجو الإجابة بالتفصيل, مع ذكر الأسباب والبراهين الشرعية؛ لأن المسألة عامة, وأريد عرضها على الكثيرين الذين يريدون معرفة الأسباب والحجج بالكتاب والسنة, وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع العملات بعضها ببعض هو ما يسمى في اصطلاح الفقهاء بالصرف، وشرط جوازه أن يكون يدًا بيد - أي التقابض بمجلس العقد -، وفي العملة الواحدة أن يكون مثلًا بمثل، زيادة على الشرط السابق, ولا يضر فيه بيع عملة بعملة أخرى بسعر أكثر أو أقل من سعرها في السوق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة يدًا بيد، مثلًا بمثل، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد. رواه مسلم.
والتفاضل في العملة الواحدة هو ما يعرف بربا الفضل، كما أن تأخير قبض أحد العوضين يسمى بربا النسيئة، وكلاهما حرام؛ لقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة : 275}؛ وذلك لما تقرر عند أهل العلم من أن العملات المتعامل بها حكمها حكم الذهب والفضة في سائر الأحكام، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بعمان 1407هـ 1986 ونصه: ( أولاً: بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتيادية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها ) انتهى؛ وبناء عليه فما تقومون به من صرف عملة البلد الذي أنتم فيه بعملة بلدكم، وتحويلها إلى أهليكم مباح إذا حصل التقابض في وقت واحد, فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصرف الحال يمكن أن يتم عبر الهاتف، وذلك بأن تعطي الشخص المذكور مبلغًا في ساعة تتفق فيها مع ابنتك أو غيرها ليكون موجودًا عند نائب هذا الأخ هناك، فإذا دفعت المال إلى صاحبك، اتصل بنائبه مباشرة وأنتما بمجلس العقد ليدفع نائبه إلى ابنتك أو من توكله ما يقابل ما دفعت إليه من عملتهم في نفس الوقت, ولعل الحاجة الماسة إلى مثل هذه المعاملة تبيح هذا الإجراء.
وأما تأخير التقابض وتسليم العوض سواء منك أومن نائب الشخص المذكور فلا يجوز, بل لا بد لصحة المعاملة من التقابض بمجلس العقد.
والله أعلم.