عنوان الفتوى : الاستفتاء على تطبيق الشريعة.. رؤية شرعية واقعية
عندنا في مصر ندخل قريبا على فتنة جديدة وهي كتابة الدستور والاستفتاء عليه, فنحن لم نفق بعد من الانتخابات وما حدث بها وقد نص القانون على غرامة على من لا يصوت وتضاربت الآراء فمن المشايخ من رأى أن الانتخاب واجب ومنهم من رأى أن الانتخاب كفر أكبر, المشكلة أن التصفية النهائية كانت بين مرشح مسلم ومرشح علماني صرف يرفض تطبيق الشريعه تماما,, هناك من صوت للمسلم على أمل تطبيق الشريعة وهناك من صوت للعلماني خوفا من تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية, الآن قد بان أن المرشح الإسلامي لا نية له في تطبيق الشرع أو نصرة الإسلام فقد داهن منذ أن جلس على الكرسي, والآن أتى دور كتابة الدستور فما الحل فيه هل المقاطعة أم يجب الاستفتاء مع العلم أنه سيحوي قوانين وضعية أيضا, فهل آثم إن تركته يطبق ولم أصوت بلا, فهل الحل في المقاطعة أم التصويت, مع العلم أن من انتخبناهم لمجلس الشعب من حزبي الحرية والعداله وحزب النور هم المسؤولون الآن عن كتابة الدستور وتشريع القوانين, وقد استفتوا مسبقا على حد الحرابة, وأظن أن منهجهم سيكون الاستفتاء على حدود الله عز وجل هذا إن أدخلوها في الدستور القادم... سؤالي هل يجوز الاستفتاء على تطبيق الشريعة... وما موقفي من استفتاء الدستور القادم قريبا...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهيب بالأخ السائل أن يخفف من حدته، ويترفق في حكمه على الناس من حوله، فليس من المقبول أن يُحكَم على نوايا الناس ومقاصدهم فيقول في حق مسلم: (لا نية له في تطبيق الشرع أو نصرة الإسلام ... !!) فهذا من قفو ما ليس له به علم، وقد قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] قال السعدي: أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك. اهـ.
وذكر ابن كثير أقوال المفسرين في هذه الآية ثم قال: مضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال .. اهـ.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم. رواه مسلم. قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): "أهلكهم" على وجهين، أحدهما بضم الكاف، والمعنى هو أشدهم هلاكا؛ لأنه إنما قال ذلك لأحد معنيين، إما للإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه، أو للقطع عليهم باستحقاق العقوبة، فكأنه يقنطهم من رحمة الله. والوجه الثاني بفتح الكاف على معنى هو الذي يحكم عليهم بالهلاك برأيه لا بدليل من أدلة الشرع. والأول أظهر وأشهر. اهـ.
وقد سبق لنا التنبيه مرارا على أن هذه المسألة وأشباهها من مسائل السياسة الشرعية التي مبناها على فقه المصالح والمفاسد بالمعيار الشرعي، ولا يخفى أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والبلدان، ولذلك ينبغي ردها إلى أهل العلم في كل بلد، لكونهم أدرى بحال بلدهم وملابسات الأمور فيه، ولا يصح أن يتخذ الخلاف في مثل هذه المسائل خلافاً في الأصول، فإنها من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، وراجع في ذلك الفتويين: 167221، 153299 وما أحيل عليه فيهما.
وأما مسألة الاستفتاء على تطبيق الشريعة، فإنه لا يعني القبول والرضا بعدم تطبيقها، أو الإقرار بأن ذلك حق من حقوق الأمة باعتبارها صاحبة السيادة !! لا .. بل هذا لا يعدو كونه وسيلة للوصول لتلك الغاية التي هي تطبيق الشريعة ، باعتبار أن الشعب ذا الأغلبية المسلمة لا يمكن أن يختار غير الشريعة، وبالتالي فهو إقرار لهذا الاختيار المعروف سلفا. ثم على افتراض أن الأغلبية لم ترض بتطبيق الشريعة، فبوسع الباقين أن يعلنوا رفضهم لهذا الاختيار من حيث المبدأ، وتبرأهم منه من حيث الاعتقاد، وسعيهم في تغيير أفهام الناس وأفكارهم ودعوتهم إياهم إلى صريح الإسلام الذي هو الاستسلام لحكم الله تعالى وقبوله والانقياد له والتزامه ... هذا مع بقاء العذر بالعجز عن تطبيقها في أرض الواقع باعتبار الواقع الذي لا يخفى على أحد، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وأما الموقف من الاستفتاء على الدستور، فهذا يكون بحسب الدستور نفسه، فإن كان يجعل المرجعية العليا للشريعة ويقرر سيادتها، بحيث لا يجوز سن أي قانون يخالفها، فهذا مقبول من حيث الجملة.
والله أعلم.